هل يصحّ القول إن محمود عباس كان دومًا يعارض العنف؟ تساؤل.. وإجابة

محمود عباس. المصدر: Kremlin.ru, CC BY 4.0 , عبر ويكيميديا كومنز

قد تختلف الآراء بالنسبة لشخصية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) ونهجه القيادي، غير أن هناك شبه إجماع إعلامي على أن عباس كان دومًا، ولا يزال، معارضًا بشدة لاستخدام العنف وممارسة الإرهاب في الصراع الدائر مع إسرائيل، انطلاقًا من حرصه الشديد على “المقاومة السلمية” أو “المقاومة الشعبية” وفق المصطلحات الشائعة في القاموس السياسي الفلسطيني.

ومن آخر الأمثلة على استقرار هذا الرأي بالنسبة لعباس التقرير الذي كان الصحفي الفلسطيني محمد دراغمة مراسل وكالة أسوشييتد برس الأميركية في الأراضي الفلسطينية، قد نشره يوم 20 مايو/أيار 2020 بعنوان “عباس يقول إن السلطة الفلسطينية لم تعد ملتزمة بالاتفاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة“، حيث ادعى دراغمة بأن “عباس كان دومًا يعارض العنف“.

غير أن تكرار وسائل الإعلام لـ”حقائق” و”مسلمات” يبدو أنها غير قابلة للطعن والتفنيد، لا يجعلها تنصف الحقيقة، حيث نرى، بل ونسعى لإثبات ودعم موقفنا من خلال هذا المنشور، أنه آن الأوان لتحدي الرأي السائد الذي يعتبر محمود عباس معارضًا شرسًا للكفاح المسلح ضد إسرائيل.

دعونا نستمع مثلاً إلى المقطع المصور أدناه الذي يقتبس من أقوال عباس في كلمة كان قد ألقاها يوم 16 سبتمبر/أيلول عام 2015 عن القدس والمسجد الأقصى، حيث قال مشيدًا بالعنف: “.. نحيي أي ذرة دماء أريقت في سبيل القدس فهي دماء نظيفة، دماء نقية، دماء في سبيل الله إن شاء الله، وكل شهيد سيكون في الجنة..”

كما أن عباس كان قد استشهد، في شريط مصور نشرته حركة فتح على صفحة الفيسبوك الخاصة بها عام 2014، بالآية القرآنية (سورة 22 [الحج]، الآية 39): “أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ “، مع العلم أن الحركة أتبعت كلام عباس بمشاهد عنيفة من الضفة الغربية.

وفي مارس/آذار 2016 بعث رئيس السلطة الفلسطينية برسالة تعزية إلى عائلة الإرهابية أماني حسني سباتين التي قُتلت خلال محاولتها القيام بعملية دهس لمجموعة من جنود الجيش الإسرائيلي جنوبي بيت لحم، حيث اعتبرها عباس في رسالته شهيدة ارتوى تراب فلسطين بدمائها. ولم تكن هذه الرسالة الأولى من نوعها، حيث كان عباس قد بعث في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بتعازيه لعائلة الإرهابي معتز حجازي الذي حاول اغتيال الناشط اليهودي اليميني يهودا غليك (الذي أصبح فيما بعد عضوًا في الكنيست الإسرائيلي لفترة ما) وأصابه بجروح خطيرة، حيث تضمنت رسالة عباس (كما أوردها صحفي إسرائيلي ضمن تغريدة له على تويتر، أنظر أدناه) عبارات المدح بهذا الإرهابي الذي “ارتقى شهيدًا”.

وفي مناسبة أخرى وقعت في يوليو/تموز 2017، حيث احتدم العنف في القدس عقب قرار السلطات الإسرائيلية نصب البوابات الإلكترونية على مداخل ساحات الأقصى (وعلى الرغم من تراجع إسرائيل عن هذا القرار بعد مضي عدة أيام)، أبدى عباس دعمه الراسخ للفلسطينيين الذين شاركوا في أعمال العنف والشغب آنذاك واصفًا إياهم بمفخرة للشعب الفلسطيني كونهم يحمون مقدساته ويحفظون كرامته.

كما التقى عباس في أكثر من مناسبة عائلات عدد آخر من الإرهابيين الفلسطينيين ومنهم بهاء عليان وبلال غنيم مرتكبا الاعتداء الدموي على حافلة إسرائيلية في حي “أرمون هنتسيف” في القدس (في أكتوبر/تشرين الأول 2015). ووعد عباس بدفع تعويضات لهذه العائلات عقب تدمير منازلها كإجراء عقابي من السلطات الإسرائيلية. ولا غرابة في الأمر إذ بات من المعروف أن السلطة الفلسطينية بقيادة عباس مصرة على دفع الرواتب لعائلات “الشهداء” الفلسطينيين الذين قاموا بعمليات إرهابية ضد الإسرائيليين (بمن فيهم المدنيون العزَّل).

وعليه يجب القول ختامًا إن سجلّ محمود عباس صحيح أنه يدل على وقوفه في أغلب الأحيان موقفًا معارضًا للإرهاب الفلسطيني المسلح؛ لكن الأمانة الصحفية تحتّم القول إن هذا الخط الذي سار عليه عباس لم يكن مستقيمًا دائمًا بل كانت فيه بعض المنزلقات التي تؤكد أنه أيد العنف والإرهاب ولو في مناسبات معينة، الأمر الذي يتعارض مع القول الفاصل إن عباس كان دائمًا يتشبث برفض العنف والإرهاب، كما ادعى مراسل وكالة أسوشييتد برس.

أنظر التقرير الصادر عن الموضوع باللغة الإنجليزية في موقع (كاميرا)

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *