الناطق الإعلامي الغزاوي الذي يتمتع بموقع لا منازع له..

المصور: Muath Humaid, CC BY-SA 3.0 , عبر ويكيميديا كومنز

في ختام كل أسبوع تقريبًا، عوّدتنا وسائل الإعلام العربية على أن تطلعنا على حصاد المواجهات والاشتباكات الدورية التي تشهدها منطقة التماسّ قرب السياج الحدودي بين غزة وإسرائيل بعد صلاة الظهر أيام الجمعة.

غير أن وسائل الإعلام العربية في تقاريرها عن هذه الحوادث، وما أسفرت عنه من إصابات، تستند إلى مصدر واحد فقط لا غير ألا وهو البيانات التي يصدرها المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة الدكتور الطبيب أشرف القدرة، الذي أصبح بالتالي يحتلّ موقعًا مميزًا في الساحة الإعلامية قد يمنّي أي ناطق إعلامي آخر في العالم نفسه بالوصول إليه، بمعنى أن تكتفي وسائل الإعلام التي يغذيها ببياناته باستنساخها حرفيًا دون إخضاعها لأي تساؤل أو التشكيك فيها..

وتكتفي وسائل الإعلام العربية بنشر ما يعلنه الناطق الطبيب دون أن تكلف نفسها عناء تقصي الحقائق والتأكد منها، فعلى سبيل المثال لا الحصر نقلت وكالة الأنباء الفرنسية يوم الجمعة الموافق 2/3/2018 حرفيًا البيان الصادر عن الطبيب الإعلامي من غزة

وتوَّجت تقريرها بهذا الخصوص بالعنوان التالي: “إصابة 15 فلسطينيًا بالرصاص الجيش الإسرائيلي الحي على حدود غزة” بيد أن قراءة تفاصيل الخبر نفسه تدلّ على أن “العشرات أصيبوا بالإغماء والاختناق نتيجة إطلاق قوات الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع وقد عولجوا ميدانيا”. ويجب الإشارة إلى أن العديد من وسائل الإعلام تعتمد بدورها على تقارير وكالة الأنباء الفرنسية من الشرق الأوسط وتقتبس منها مقاطع كاملة مما يزيد الطين بلة. وفي الحالة المشار إليها لم يسلم حتى الإعلام الإسرائيلي باللغة العربية من هذا الداء إذ حذت قناة i24 حرفيًا حذو وكالة الأنباء الفرنسية بهذا التقرير الذي يحمل بين طياته التناقض الواضح. وغني عن القول إن العشرات من وسائل الإعلام العربية حرصت أيضًا كعادتها على الاستشهاد حرفيًا بأقوال الناطق بلسان وزارة الصحة في غزة. بالمناسبة، يتعين التوضيح أن صفحة وزارة الصحة الفلسطينية في غزة على الفيسبوك تحدثت بدورها في منشور لها (في تمام الساعة 04:53 من مساء الجمعة 2/3/2018) عن 16 إصابة بالرصاص الحي شرق قطاع غزة..

بالتالي لا بدّ من التساؤل عن مدى التزام وسائل الإعلام العربية بأبسط أخلاق المهنة، كونها تتجنّب الاستفسار عن الحقائق الأساسية المتعلقة بالتقارير التي تنقلها من غزة، وذلك من خلال طرح أسئلة من قبيل: ما هي الأعداد الحقيقية للمصابين وكيف أصيبوا؟ هل استخدم الجيش الإسرائيلي الرصاص الحي أم لا؟ ما هي الممارسات التي قام بها المتظاهرون الفلسطينيون قرب الحدود؟ كما يجب التأكيد هنا على أن وسائل الإعلام الدولية الناطقة بالعربية التي نقوم بمتابعتها تمتنع بمجملها، وبصورة شبه كاملة، عن تقديم الرواية الإسرائيلية لما يجري على حدود غزة، وهو أيضًا ما يتنافى مع مقتضيات مهنة الصحافة التي تلزم العاملين فيها بعدم التحيّز لجهة على حساب أخرى.

لعله كان يجدر بنا أيضًا طرح بعض التساؤلات على الناطق بلسان وزارة الصحة الفلسطينية، لكننا نعي موقعه الحساس في غزة التي ما زالت حماس تفرض قبضتها الحديدية عليها رغم تخليها المعلن عن إدارتها..

إن مأساة غزة حقيقية دون شك، ويعلم القاصي والداني أنها لن تُحلّ بالتظاهرات العنيفة التي يقوم بها الشبان المشاغبون في المنطقة الحدودية مع إسرائيل. غير أننا نأخذ على وسائل الإعلام التي تهدر مرارًا وتكرارًا الفرص المتاحة لها لتغطية الأحداث ونقلها بصورة موضوعية لا تجافي الحقيقة، حيث إنها تستسلم طواعيةً لبيانات الطبيب الإعلامي من غزة ويا للأسف..

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *