وكالة رويتر بنسختها العربية تعدّل صياغتها المحرِّفة للتاريخ بشأن كون مدينة تل أبيب بلدة عربية تُدعى “تل الربيع” قبل 1948

المصور: Krokodil Gena, CC BY 2.0 , via Wikimedia Commons

نشرت وكالة رويتر الدولية للأنباء في نسختها الإنجليزية، يوم 14 مايو/أيار 2019، تقريرًا لمراسلها في غزة نضال المغربي تناول قضية مجموعة من الصيادين في قطاع غزة الذين يتوقون للعودة إلى ديار عائلاتهم التي هاجروها في حرب 1948 ولجأوا إلى غزة. غير أن الوكالة ارتكبت في معرض التقرير خطأ فادحًا، حيث وصفت مجموعة من المقاعد الخرسانية المقامة على امتداد ساحل غزة والتي يحمل كل منها اسم إحدى المدن أو القرى الفلسطينية في فترة ما قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948. وقدمت رويتر أمثلة لأسماء تلك المدن ومنها بئر السبع وعكا لكنها أضافت إليها أيضًا مدينة تل أبيب مدّعية بأن اسمها العربي كان أصلاً تل الربيع.

غير أن الحقيقة التاريخية تختلف عما ساقته رويتر كل اختلاف، إذ لم تكن هناك أي مدينة أو بلدة عربية فيما قبل 1948 كانت تحمل اسم “تل الربيع”، بل إن الاسم ليس سوى ترجمة حرفية للاسم العبري لمدينة تل أبيب التي تُعتبر “أول مدينة عبرية” تم تأسيسها بعد وصول مجموعات المهاجرين اليهود تباعًا إلى فلسطين عندما كانت جزءًا من الدولة العثمانية نهاية القرن الـ19. ووفق الرواية التاريخية الصحيحة فإن تل أبيب أنشئت عام 1910 من قبل مجموعة من سكان يافا اليهود بدافع وطني واضح لتصبح مركزًا حضاريًا لأتباع الحركة الصهيونية الذين قدموا حديثًا إلى البلاد. أما اسم المدينة- تل أبيب- فتم اعتماده عقب ترجمة عنوان الرواية Altneuland (“مدينة قديمة- جديدة” بالترجمة الحرفية من اللغة الألمانية) التي وضعها مؤسس الحركة الصهيونية هرتصل ليكون “تل أبيب”، مع العلم أن هذا الاسم ورد أصلاً في كتاب النبي حزقيل في التوراة (الفصل 3، الآية 15).

بناءً على ما تقدَّم، لا يمكن تفسير الخطأ الذي ارتكبه (إما سهوًا أو عمدًا) مراسل رويتر في غزة في تقريره آنف الذكر إلا بمعنى دعم رواية فلسطينية كاذبة عن مدينة تل أبيب وكأنها بُنيت على أنقاض بلدة فلسطينية مهجَّرة قبل 1948. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأكذوبة متداولة منذ سنوات في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية الفلسطينية، بما في ذلك تلك التابعة للسلطة الفلسطينية، كما أنها أصبحت تُدرَّس في المدارس الفلسطينية بما فيها تلك التي تديرها وكالة الأنروا الأممية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

من جهة أخرى يجب التنويه إلى أن بعض الفلسطينيين على الأقل ممن يدعمون ما يُعرف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، أبدوا قدرًا من الإنصاف بإقرارهم أن مدينة تل أبيب نشأت كمدينة يهودية ولم تكن هناك قبلها أي بلدة عربية أطلِق عليها اسم “تل الربيع”. ومن الأمثلة الدالة على ذلك مقال تم نشره عام 2012 في موقع “عرب 48” بعنوان “تل أبيب ليست تل الربيع”.

وكانت الصياغة العربية لتقرير رويتر المذكور أكثر فضاحة، إذ جاء فيها أن “تل الربيع أصبحت تُعرف باسم تل أبيب”. وفي أعقاب مراجعة فريق “كاميرا العربية” هيئة تحرير موقع رويتر العربية تم تصحيح الخطأ وإعادة نشر التقرير، إلا أن الوكالة لم تقم، ولأسباب لا نستطيع فهمها، بخطوة مماثلة إزاء النسخة الإنجليزية من التقرير.

نشير ختامًا، من باب الإنصاف أيضًا، إلى أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية الصادرة باللغة الإنجليزية قد نشرت أيضًا تقرير وكالة رويتر دون تصحيح الخطأ الفادح الوارد فيه. على أي حال يدل هذا التقصير من جانب وسائل الإعلام المذكورة، حتى وإن لم يكن متعمدًا، على نوع من الكسل في تقصي الحقائق التاريخية.

أنظر التقرير حول الموضوع في موقع كاميرا باللغة الإنجليزية

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *