من تفاعلات قضية الشريط المحذوف: قناة +AJ التابعة للجزيرة القطرية تقع في فخ تسييس الهولوكوست: تأكيد مطلب إدانته أخلاقيًا إلى جانب التشكيك غير المباشر في صحة وقوعه..

كانت قناة +AJ التابعة لشبكة الجزيرة القطرية قد نشرت على موقعها يوم 18 مايو/أيار 2018 شريطًا مصورًا وُصف بالإعلامي بقصد توعية مشاهديها بالهولوكوست (المحرقة النازية بحق الشعب اليهودي إبان الحرب العالمية الثانية). وكنا، فريق “كاميرا العربية”، قد أشرنا في تدوينة سابقة إلى كيفية تعامل منافسة الجزيرة الخليجية القوية، ألا وهي قناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتية، مع قضية الشريط المذكور الذي تم حذفه من موقع +AJ بعد مضي أقل من 24 ساعة من رفعه إلى الموقع. (ما زالت فرصة مشاهدة مقاطع من الشريط واردة عبر الرابط الآتي).

وإنْ كانت الجزيرة تستحق الثناء على سرعة إدراكها جسامة الخطأ الذي ينطوي عليه نشر الشريط المذكور، فإنه لا بد على أي حال من تأكيد خطورة بث الشريط أصلاً كونه يتضمن عدة مغالطات واضحة تقتضي التنويه فيما يتعلق بمسألة الهولوكوست، حيث يمكن حصر أهمها بالنقاط الآتية (ونعرض لها باختصار شديد ومن دون التحليلات المطولة المستفيضة حرصًا على قاعدة “ما قل ودل”، حيث يتّسع المجال الإلكتروني رحبًا لكل من أراد الإسهاب في الموضوع):

  1. يصوّر الشريط الجهات التي تنكر مجرد حقيقة وقوع الهولوكوست أو التي تطعن في الإحصائيات الموثقة لعدد ضحايا النازية من اليهود، على أنهم طرف شرعي في سجال تاريخي. كما يتجنب الشريط،بصورة تبدو متعمدة، الإشارة إلى كيفية إبادة ملايين اليهود ضمن مشروع “الحل النهائي” (الوارد ذكره دون تفصيل في الشريط) مكتفيًا بذكر حقيقة تجميع اليهود في معسكرات اعتقال نازية.
  2. يدعي الشريط بأن مقتل 6 ملايين من اليهود على أيدي النازيين كان بمثابة “سردية” وظفتها الحركة الصهيونية. في ذات السياق يروّج الشريط بخبث النية للأكذوبة التي تدعي بأن الزعيم النازي هتلر كان يدعم الحركة الصهيونية بناءً على الاتفاقية التي وقعها النظام النازي مع الحركة الصهيونية بشأن السماح ليهود ألمانيا الذين كانوا يرغبون في النزوح منهاإلى فلسطين الانتداب البريطاني بأخذ جزء قليل من ممتلكاتهم المصادرة من قبل النظام النازي حينها. ولم يتوقف الشريط عند هذا الحد بل اعتبر أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الهولوكوست، مشيرًا أيضًا بهذا السياق إلى أن حجم التعويضات التي تسلمتها إسرائيل من ألمانيا لا مجال لمقارنته مع التعويضات الألمانية المقدمة لغير اليهود من ضحايا النازية (مثل اليونان والصرب والغجر..إلخ).
  3. في سياق ذي صلة يروّج الشريط ضمنًا لأحد أقدم الأباطيل التاريخية الخاصة بمعاداة اليهود من خلال الزعم بأنهم يحكمون العالم، حيث يدعي الشريط بأن التركيز على فظاعة الجرائم التي ارتكبها النازيون بحق اليهود دون غيرهم إنما يعود سببه إلى امتلاك اليهود للموارد المالية والإعلامية والبحثية مما مكّنهم من تسليط الضوء على مأساتهم. كما يدعي الشريط، استكمالاً لما سبق، بأن تخليد مأساة الهولوكوست بالمتاحف والتشريعات بحق منكري المحرقة وغيرها يجري على نطاق لا يتناسب والمساعي الرامية إلى تخليد ذكرى مآسي أخرى “لا تقل بشاعة”.

غيرأن شريط الجزيرة الآنف الذكر قد يبلغ قمة البشاعة عند اتهامه إسرائيل بسوق نفس المبررات النازية لممارسات التطهير العرقي والإبادة (؟!) التي تتخذها ضد الفلسطينيين، حيث يدعي الشريط بأن إسرائيل تأسست على المنطلقات القومية والدينية والجغرافية التي تغذت على الروح النازية. إننا فريق “كاميرا العربية” لا نريد على الإطلاق خوض أي جدل مع هذا الافتراء، حيث نكتفي بالإشارة إلى أنه يتناقض تمامًا مع إقرار شريط الجزيرة نفسه بأن حفظ ذكرى المحرقة مطلب أخلاقي، ناهيك عن عدم وجود أي قاعدة لعقد مقارنة بين حجم مأساة الشعب الفلسطيني وما تعرض له اليهود من مشروع نازي ممنهج لإبادتهم (هل يعرف من يسعى لمقارنة كهذه كم فلسطينيًا قتلتهم إسرائيل خلال عقود من الصراع بين الشعبين؟؟).

نود ختامًا الإشارة إلى نقطة أخرى وردت في شريط الجزيرة متمثلة بالتساؤل الآتي: “فكيف يستطيع الفلسطيني إدانة جريمة صارت الوجه الآخر لمأساته؟“. إذ نرى أن هذا التساؤل تحديدًا مكمن “بيت القصيد” كما يقولون، لأن الإنسان لو كان بالفعل صاحب رؤية فلسفية أخلاقية شاملة استطاع أن يدين أي جريمة شنيعة حتى وإن كان ضحيتها عدوًا له، على اعتبار أن الأخلاق كل متكامل لا يقبل التجزئة والتمييز، فإذا كنت عاجزًا عن إدانة محرقة اليهود لمجرد اعتقادك بأنك كنت، بشكل أو بآخر، ضحية لها، فيعني الأمر أنك قد ضللت طريقك وفقدت أخلاقك الإنسانية! وعليه، فإذا كانت الرسالة التي حبّذت الجزيرة إيصالها عبر الشريط (افتراضًا منا أنها جاءت بحسن النية بغض النظر عن كل المغالطات المذكورة أعلاه) تتمثل بأن إدانة الهولوكوست واجب أخلاقي، كان لزامًا عليها التأكيد على شمولية هذه الرسالة دون استثناء ودون “إعفاء” الفلسطينيين منها.

لذا نرجو اغتنام الفرصة السانحة لحث جميع وسائل الإعلام العربية، أيًا كانت توجهاتها وميولها، على توعية متابعيها بأن المحرقة اليهودية كانت بالفعل مأساة إنسانية كبرى وجريمة بشعة نكراء، والأحرى عدم تسييسها وإبعادها عن لهيب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحالي.

أنظر إلى التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع “CAMERA UK” التابع لمؤسسة “كاميرا”.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *