موقع الإندبندنت باللغة العربية يضفي الشرعية على إنكار علاقة اليهود التاريخية بإسرائيل

مخطوطة تفسير التوراة اليهودية باللغة العربية, ومؤلفه أبو علي حسن بن علي البصري الذي عاش في أورشليم القدس خلال القرن العاشر (م.) Courtesy of the British Library

دخل لاعب جديد في عالم الإعلام الغربي باللغة العربية: موقع “الإندبندت العربية” وهو مشروع مشترك بين الصحيفة البريطانية وشركة الإعلام السعودية SRMG.

لسوء الحظ ، لم يبدي الموقع الجديد حتى الآن التزامه بالمعايير الصحفية الغربية، بل إنه يحذو في بعض الأحيان حذو الصحف العربية من حيث اعتماده التلقائي للدعاية المناهضة لإسرائيل.

على سبيل المثال ، نشر الموقع يوم 12 أغسطس آب 2019 تقريرًا لمراسله في قطاع غزة عز الدين أبو عيشة تحت عنوان “إحياء مخطوطات أثرية في غزة لدحض الرواية الإسرائيلية“. وتضمن التقرير مقابلة مع مسؤول في حكومة حماس في القطاع حول ترميم العديد من المخطوطات التي تعود إلى القرن السادس عشر. وساق هذا المسؤول، وهو السيد عبد اللطيف أبو هاشم، الخبير المشرف على المشروع نيابةً عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التابعة لحركة حماس، بعض الادعاءات عن إسرائيل التي تفتقد العقل والصواب بالنظر إلى علاقتها بالتاريخ المحلي، مع العلم أن المراسل المذكور لم يُبدِ أي اعتراض عليها في سياق تقريره. 

دعونا نتطرق إلى هذه الادعاءات كما وردت في التقرير المذكور:

  • يدعي أبو هاشم أن “الرواية الإسرائيلية” تشير إلى أن “فلسطين” كانت في الماضي غير مأهولة:

“عبد اللطيف أبو هاشم يقول إنّ المخطوطات ذاكرة الأمة، تؤرخ وتثبت أنّ هذه الأرض كانت تعج بسكانها وعلمائها، وهو شيء مضاد للرواية الإسرائيلية، التي تقول إنّ فلسطين كانت خالية من السكان “ 

نرجو الإشارة أولاً إلى أنه من غير الواضح ما يعنيه أبو هاشم بحديثه عن “الرواية الإسرائيلية”، حيث هناك بطبيعة الحال في إسرائيل، شأنها شأن أي دولة أخرى تسودها التعددية، روايات وسرديات تاريخية مختلفة وغير متجانسة، بل ومتضاربة أحيانًا. لكن، حتى وإن سلّمنا فرضًا بوجود رواية إسرائيلية متّسقة حول تاريخ البلاد، فمن المستبعد بل المستحيل أن تقوم هذه الرواية على القول إن البلاد كانت “خالية من السكان” قبل بدء الهجرات اليهودية الكبيرة إليها في أواخر القرن التاسع عشر. وإذا أردنا إنصاف الحقيقة فإن أبرز دعاة الحركة الصهيونية، وعلى رأسهم ثيودور هرتسل مؤسس الحركة نفسه، أقروا بوجود السكان العرب في البلاد وطرحوا حلولاً مختلفة حول كيفية التعامل معهم (كانت شخصية عربية من أبطال رواية هرتسل الخيالية “ألتنويلاند” أي “البلاد القديمة- الجديدة” التي صدرت عام 1902).

  • كما يدعي أن مجرد وجود مخطوطات عتيقة في اللغة العربية يدحض مزاعم الإسرائيليين فيما يتعلق ب-“أحقيتهم” في الأرض ، حيث يقول:


“جميع الأوراق القديمة، التي كانت تصف مدن فلسطين قبل مجيء اليهود إليها، كتبت باللغة العربية، ما يعني أنّ الأرض عربية. “

غير أن هذا الادعاء إذا دل على شيء فإنه يدل على الجهل بأبسط الحقائق التاريخية ومفادها أن الجاليات اليهودية التي كانت منتشرة في فلسطين وغيرها من بلدان المنطقة في عصور الحكم الإسلامي كانوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج المجتمعي وكانوا يجرون معاملاتهم اليومية باللغة العربية، ما يعني أنهم تركوا وراءهم أيضًا العديد من المخطوطات باللغة العربية التي لا يتسع المكان هنا لذكرها. كما أن تقرير “إندبندنت العربية” تجاهل تمامًا النقوش والمخطوطات اليهودية العائدة إلى حقب ما قبل عصور الحكم الإسلامي للبلاد ومن أبرزها مخطوطات البحر الميت (القرنين الأول والثاني قبل الميلاد) أو “نقس سلوان” (القرن الثامن قبل الميلاد).

وقد خلص الخبير الفلسطيني، وفق ما جاء في تقرير “إندبندنت العربية”، إلى النتيجة الآتية:

  • “ويقول أبو هاشم إنّ الإسرائيليين يعرفون مصدر القوة التي تحكيها الرواية العربية الصحيحة، لذلك يحاولون باستمرار طمس المخطوطات وإخفاءها. “

غير أن التقرير لا يقدم أي أدلة لتبرير هذا الادعاء الذي لا يستند في الحقيقة إلى أي أساس من الصحة، مع العلم أن المكتبة الوطنية في إسرائيل (ومقرها بالقدس) تحتضن في مجموعاتها القيّمة أكثر من 2400 مخطوطة إسلامية بالعربية والفارسية والتركية، ناهيك عن وجود متحف للفن الإسلامي في القدس ومتحف للحضارة الإسلامية في مدينة بئر السبع، يتمتع كلاهما بتمويل رسمي ويخضعان لإدارة يهودية وعربية مشتركة. وعليه يجوز بالفعل التساؤل عن صحة الادعاء بأن إسرائيل تسعى لطمس العصور الإسلامية من ماضيها.

خلاصة القول: كان حريًا بمراسل “إنبدبندنت العربية”، بدلاً من إلقاء الكلام على عواهنه أو نقل اتهامات الخبير الغزي الباطلة حرفيًا، أن يتذكر أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، على خطورته، لا يستلزم تشويه الحقائق. كما أن اعتماد رواية تاريخية معينة (العربية- الإسلامية) لا يحتّم بالضرورة طمس رواية أخرى (اليهودية)، ولو من باب مصداقية العمل الصحفي.

أنظر تقرير مرصد الإعلام البريطاني التابع لمؤسسة (كاميرا) حول القضية ذاتها

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *