تشهد بعض الجامعات الأميركية منذ سنوات ظاهرة تستدعي القلق تتمثل بالترويج للدعاية المكشوفة المعادية لليهود. وتلقي هذه الظاهرة بظلالها الكثيفة على الأداء المهني والحرية الأكاديمية في الجامعات الأميركية وقد ترتقي إلى حد غسل أدمغة الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة.
وقد بات عدد ملحوظ من الطلاب اليهود في الكليات والجامعات الأميركية يتعرضون لمظاهر معاداة اليهود خلال دراستهم، وسط صمت مريب أو تجاهل لقيادات المؤسسات الأكاديمية المذكورة، ومنها عدد من أبرز الجامعات من قبيل جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA) ,جامعة بركلي في ولاية كاليفورنيا، وجامعة نيويورك، وجامعة ميشيغان، حيث يُلاحظ فيها إطلاق العنان لتصريحات خطيرة صادرة عن بعض الأساتذة ذوي الآراء المتشددة بصورة تضفي الشرعية على العنصرية المعادية لليهود.
كما تنشط في هذه الجامعات جماعات طلابية متطرفة ذات تاريخ طويل من معاداة اليهود ومنها على سبيل المثال “الطلاب من أجل العدالة في فلسطين”. غير أن نشاط هذه الجماعات، مهما كان خطيرًا بحد ذاته، لا ينافس بخطورته التلقين العقائدي داخل الصفوف الجامعية من قبل الأساتذة أصحاب الآراء المسمومة الموبوءة بداء معاداة السامية. إذ يستغل هؤلاء الأساتذة مواقعهم المرموقة لبث الكراهية بين طلابهم إدراكًا منهم أنه لا يوجد إلا القلائل من الطلاب القادرين على مقارعتهم فكريًا وتفنيد ادعاءاتهم الباطلة الخاصة باليهود، لا سيما وأن الهيكلية الهرمية للنظام الأكاديمي تجعل هؤلاء الطلاب يخشون بطبيعة الحال التشهير بهم أمام زملائهم أو منحهم العلامات المتدنية في الامتحانات والفروض الدراسية.
ومن الأمثلة الدالة على انتشار هذه الظاهرة ما قام به أستاذ في جامعة ميشيغان خلال العام الجامعي 2019 حيث رفض توقيع خطابات التوصية للمشاركة في برامج دراسية تجري في إسرائيل. وفي جامعة نيويورك تم التصفيق لأحد المشاركين في ندوة أكاديمية وصف إسرائيل بـ”دولة أبارتهايد” مشيدًا بالحركة الداعية إلى مقاطعتها (BDS). وتجدر الإشارة بوجه خاص إلى جامعة بركلي في كاليفورنيا التي صارت مأوى للمتشددين المناهضين لليهود وللحركة الصهيونية. وشهد العام الجامعي 2019 تكرارًا لأحداث معادية لليهود وتم وضع ملصقات داخل الحرم الجامعي تقارن الصهيونية بالنازية. وعندما حاول الطلاب المؤيدون لإسرائيل، الذين ينضوي بعضهم تحت لواء منظمة “تيكفا (أمل): طلاب من أجل إسرائيل”، التصدي لهذه الموجة العنصرية، تم قطع الطريق عليهم في بعض الدوائر والأقسام الأكاديمية في الجامعة.
لعل أبرز الأحداث المشار إليها في جامعة بركلي وقع يوم 17 أبريل/نيسان 2019 حيث انعقد اجتماع دوري لما يُعرف بـ”الحكومة الطلابية”، إذ استغل أحد الطلاب هذه الفرصة للادعاء بأن الجيش الإسرائيلي أصبح يدرّب رجال شرطة أميركيين على قتل السود الأميركيين. وتم حينها الإيعاز إلى الطلاب اليهود الذين شهدوا الواقعة بالتراجع إلى خلف القاعة بداعي أن حضورهم يسبب الانزعاج لبعض زملائهم. واكتفت رئيسة جامعة بركلي كارول كريست، عندما علمت بما جرى، بنشر رسالة إلى الهيئة الطلابية المذكورة معربة عن تحفظها إزاء ما وصفته بـ”تعابير مزعجة من التحيّز”. غير أن هذه “التعابير” لم تكن إلا شواهد تنذر بالخطر الناجم عن التشدد والعنصرية، وعليه لا يمكن اعتبار رد الفعل الصادر عن رئيسة جامعة بركلي إلا فشلاً ذريعًا للقيادة الخلاقة. وفي مثال صارخ آخر تجنبت رئيسة جامعة بركلي ذكر الكلمة “يهود” أو “معاداة السامية” في معرض تعليقها على الهجوم الإرهابي الدموي على كنيس يهودي في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا الأميركية في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
كما أن الأستاذ حاتم بازيان المعروف بآرائه المعادية لليهود وبتعاطفه مع حركة حماس ما زال يعمل محاضرًا في جامعة بركلي حيث لا يهدر أي فرصة تسنح له لنشر الكراهية والمعلومات الخادعة عن إسرائيل والشعب اليهودي من دون أي تدخل من جانب إدارة الجامعة.
كما أن بعض الدوائر الأكاديمية في جامعة بركلي، وبالأخص مركز دراسات الشرق الأوسط ومركز الدراسات العرقية اعتادت في السنوات الماضية على دعوة محاضرين معروفين بمواقفهم المعادية لإسرائيل واليهود للمشاركة في الندوات والمؤتمرات الأكاديمية، بينما ترفض تلك الدوائر بالمقابل دعوة محاضرين آخرين يرسمون صورة أكثر إيجابية لإسرائيل. وهكذا يتم إشاعة أجواء من عدم التسامح داخل جامعة بركلي وإعطاء الضوء الأخضر لنشر المواقف المتحيزة عبر المنصات الجامعية وتحت طائلة “الحرية الأكاديمية”.
إن معاداة اليهود كثيرًا ما تنذر بخطورة التلقين العقائدي الذي يستهدف شرائح وقطاعات أخرى من المجتمع. وعليه فإن خطورة مظاهر معاداة السامية، كما تتجلى في بعض الفجامعات الأميركية، لا تطال اليهود وحدهم بل من شأنها أن تنعكس سلبًا على حرية التعبير والفكر الناقد بمجمله، الأمر الذي قد يعرض للخطر النظام الديمقراطي بأسره.
أنظر النسخة الأصلية من هذه المقالة باللغة الإنجليزية على موقع The Algemeiner وهي بقلم رئيسا جماعة طلابية مدعومة من مؤسسة “كاميرا”.