يبدو أن الأخبار الجيدة لإسرائيل تُقابل بحالة من الغيظ والانزعاج لدى بعض العاملين في صحيفة نيويورك تايمز. فقد قوبل إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عن نيتها تطبيع العلاقات السلمية مع الدولة اليهودية باعتباره اختراقـاً دبلوماسياً بارزاً (حدثاً فريداً) حظي بترحيب واسع على مستوى العالم.
لكن هذا الحدث دفع مدير مكتب الصحيفة في القدس، ديفيد هالففينغر، إلى شن هجوم شخصي لاذع ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مستخدماً أسلوباً أقرب إلى التشهير (القذف) منه إلى التحليل السياسي. وقد جاء ذلك في تقريره الصادر بتاريخ 13 أغسطس 2020، والذي حمل عنوان: “نتنياهو يتخلى عن خطة مثيرة للجدل من أجل مكاسب اقتصادية”.
يُشير تقرير الصحفي – وبشكل معقول – إلى التحول في الأولويات الوطنية، من توسيع السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية إلى تعليق تلك الخطوة لصالح فتح علاقات مع دولة عربية كانت تُعد سابقاً في الماضي خصماً. لكن جوهر التقرير لا يقتصر على أن نتنياهو أجرى تحولاً سياسياً يخدم مصلحته، أو – في نظرة أقل تشككاً – أنه يسعى إلى نتيجة إيجابية لإسرائيل والمنطقة. بل إن هالففينغر يشن هجوماً شخصياً، يستهدف فيه سلوك رئيس الوزراء ومظهره، بل وحتى مشاعره الداخلية المفترضة.
فهو يُصر أمام القراء على أن نتنياهو يتمحور حول ذاته وإرثه السياسي، مدّعياً أن الزعيم “يشتاق إلى إنجاز تاريخي يتوّج به فترة ولايته”، وأنه “ابتهج بإمكانية ترك إرث يُحسب له”، وأنه اعتبر ضم أجزاء من الضفة الغربية بمثابة وسيلة لـ”تأمين هذا الإرث السياسي”.
ما لم يُفصح عنه هو: كيف تمكّن الصحفي من قراءة عقل وقلب الزعيم (نتنياهو)، وتمييز الفرق بين الابتهاج بهذا الاختراق الدبلوماسي المهم الذي يجعل إسرائيل أقوى وأكثر أماناً، وبين الدوافع الأنانية والضيقة التي يراها هالففينغر؟
ديفيد هالففينغر
يرى هالبفينغر أيضًا أن هناك “صفة سحرية” في التقارب بين إسرائيل والإمارات، مشيراً إلى أنها “أسلوب نتنياهو التقليدي”. في الواقع، كان هذا الإنجاز الدبلوماسي يتشكل على مدار سنوات. هنا أيضاً، يأتي التعليق التحريري بشكل تهكمي.
يبدو أنه كان غاضباً بشكل خاص من أسلوب رئيس الوزراء الواثق، ويتحدث عن “مؤتمراً صحفياً منفرداً متفاخراً” حيث “أعلن للصحفيين الإسرائيليين” عن تحقيق أنجاز للبلاد (إسرائيل) في علاقاتها مع الإمارات. ويزعم هالبفينغر أن نتنياهو “أثنى على تفوقه في علم الجغرافيه السياسة ، متفاخراً بلقاءاته مع قادة في سلطنة عمان والسودان”.
قد يكون الوصف الصحفي المهني لمقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الصحافة الإسرائيلية ذاتها ، والتي عادة ما تكون صاخبة وغير ودودة في التعاطي معه ، تقول إن نتنياهو كان يستمتع بسرد النجاح في بناء علاقات وثيقة مع الإمارات لوسائل الإعلام الإسرائيلية المعادية ذاتها والتي تنتقده بانتظام، وبالطبع فإن هذا يوضح بجلاء مزاج هالبفينجر المتذمر.
جدير بالذكر أنه لا يوجد أي زعيم في الشرق الأوسط، مهما كان قاسياً تجاه شعبه أو مهدداً للمنطقة، يتعرض لهذا النوع من الهجوم الشخصي كما تعرض له نتنياهو في صحيفة نيويورك تايمز.
وفي قصة أخرى تم نشرها في صحيفة نيويورك تايمز أيضا عن الإمارات في (14 أغسطس حملت عنوان “بالنسبة للفلسطينيين، اتفاق إسرائيل والإمارات يبدل كابوساً بكابوس آخر”) ، وهي قصة تفتقر إلى الحيادية أو الوضوح بالنسبة إلى القُرّاء ، فقد صورت الفلسطينيين كضحايا أبرياء يعانون من “ضربة إضافية”، فضلاً عن “الإذلال” و”الكابوس” الذي يطاردهم بسبب العلاقات الودية المرتقبة بين إسرائيل وأحد الدول العربية.
وفي إطار معالجة زائفة للغاية للقصة، يتم التلاعب أو تحريف مواقف الفلسطينيين الرافضة للسلام مع الدولة اليهودية، لصالح سرد عن معاناة غير مستحقة. إنها الإغفالة الكبرى – استبعاد الحقيقة المركزية المتمثلة في أن القادة الفلسطينيين قد رفضوا مراراً وتكراراً مقترحات السلام الحقيقية، وابتعدوا عن طريق المفاوضات، واستمروا في رفض التعايش مع دولة يهودية ذات سيادة.
بهذه الفرضية الخاطئة يتحدث بها المبعوث الفلسطيني لدى المملكة المتحدة حسام زملط ، والذي يقول أن تطبيع العلاقات مع الإمارات “يضر بقضية السلام” لأنه “يسحب أحد الحوافز الرئيسية لإسرائيل لإنهاء احتلالها”. لكن إسرائيل سعت مراراً لإنهاء “الاحتلال” – وذلك قبل فترة طويلة من التقارب الجديد مع الإمارات، ومع هذا يسمح الصحفيون لهذا الادعاء بأن يمر دون رد.
ولم يكن هناك أي رد على ادعاء زملط الكاذب بأن إسرائيل كانت تنوي “سرقة غير قانونية للأراضي الفلسطينية” مع إمكانية توسيع السيادة. النيويورك تايمز نفسها، بالإضافة إلى العديد من وسائل الإعلام الأخرى، قامت بتصحيح الإشارة الخاطئة إلى أراضي الضفة الغربية في المنطقة C – وهي المناطق التي كانت قيد النقاش مؤخرًا – باعتبارها “فلسطينية”. “تلك المناطق هي أراضٍ متنازع عليها ولم تكن تاريخيًا ‘فلسطينية بالكامل’.
غالبًا ما يُستخدم هذا الأسلوب الصحفي الغير المباشر أو التهكمي من قبل النيويورك تايمز عندما يتم تضمين تفاصيل تدعم وجهة نظر إسرائيل، كما كان الحال في إشارة غير واضحة إلى تملص الفلسطينيين من التوصل إلى تسوية سلمية.
وقد كتبت النيويورك تايمز:
“لقد نظرت الحكومة الإسرائيلية التي يقودها اليمين لفترة طويلة إلى الفلسطينيين على أنهم متصلبون، وغير راغبين أو غير قادرين على التوصل إلى تسوية بشأن المبادئ التي طالما تمسكت بها إسرائيل، مما جعلهم يظهرون كمقاطعين متسلسلين للمفاوضات السلام.”
في هذه الصياغة، يتم استبعاد الحقائق الحيوية للتاريخ الحديث التي تتعلق برفض الفلسطينيين المتكرر قبول دولة يهودية بأي شكل، ورفضهم إقامة دولتهم المجاورة، بدءًا من القرن العشرين واستمراراً في القرن الواحد والعشرين – وهي حقائق معروفة للصحفيين.
إن الإغفالة الكبرى تسمح بتجنب الحقيقة الأساسية التي تتمثل في دور الفلسطينيين ومسؤوليتهم عن مصيرهم لصالح مواضيع مثل “الكابوس” المتكرر للضحية. إن تصلب الفلسطينيين هو حقيقة تاريخية – لكن يتم تقديمه كوجهة نظر لحكومة “محافظة” (أي: ملطخة). وبالمثل، يتجنب الصحفيون دورهم في التقرير عندما يذكرون أن إسرائيل “تصف” الفلسطينيين بـ”المقاطعين المتسلسلين للمفاوضات”. الفلسطينيون هم من وصفوا أنفسهم من خلال أفعالهم، والمهمة على الصحفيين هي تقديم الحقائق.
وتشمل تلك “المبادئ التي طالما تمسك بها” والتي يُفترض أن إسرائيل “تراها مطالب مبالغًا فيها” المبدأ الفلسطيني المتمثل في غمر إسرائيل بملايين من “اللاجئين” الفلسطينيين العرب. ترى إسرائيل أن هذه المطالب ليست “مبالغًا فيها” بل مستحيلة وغير قابلة للتوفيق مع السلام – وهي تهديد وجودي محتمل. يرتبط بذلك “المبدأ” الفلسطيني المتمثل في عدم الاعتراف أبداً والرفض للعيش جنباً إلى جنب مع دولة يهودية مستقلة، وهو الموقف الذي يعبر عنه بقوة الزعيم الفلسطيني محمود عباس والعديد من الآخرين. هذا الرفض لحقوق اليهود وتاريخهم وسيادتهم يتم غرسه يوميًا في أطفال الفلسطينيين وفي الثقافة بشكل عام.
إن التباعد، والتشويش، وتشويه الحقائق حول مسؤولية الفلسطينيين عن مأساتهم يسمح للصحفيين بتجنب الإساءة إلى الفلسطينيين، بما في ذلك أولئك الذين تم اقتباسهم في هذه القصة. بالإضافة إلى المبعوث الفلسطيني لدى المملكة المتحدة حسام زملط، تشير القصة أيضًا إلى نور عودة، التي تم التعريف بها كـ”كاتبة ومحللة فلسطينية” وهي في الواقع متحدثة سابقة باسم السلطة الفلسطينية، وصائب عريقات، الذي تم تعريفه كأمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية و”مفاوضها المخضرم”.
ويتم الإشارة إلى عريقات في أماكن أخرى – ولكن ليس بالطبع في النيويورك تايمز – بالكذب الخيالي، بما في ذلك ادعاؤه في عام 2002 أن إسرائيل قتلت 500 فلسطيني في جنين. (القتلى في تلك المواجهة خلال حرب الإرهاب التي شنها ياسر عرفات كانوا 52 شخصًا، معظمهم من المقاتلين.) لا يجد صحفيو النيويورك تايمز أن هذا الكذب أو أكاذيب عريقات الأخرى المثيرة للسخرية، مثل ادعائه الكاذب بأن الفلسطينيين العرب سبقوا اليهود في أرض إسرائيل، وأنهم من نسل الكنعانيين، أمراً يستحق الذكر.
رغم من أن النيويورك تايمز نشرت قصصًا أخرى قدمت لمحات عامة قوية عن التطورات الجيوسياسية في القصة الإماراتية المهمة، فإن التحيز الجاد في التغطية الذي تم الإشارة إليه أعلاه يلوث عرض الصحيفة للحقائق. للأسف، تظل القطع المنحازة ضد إسرائيل جزءاً من السياسة التحريرية المألوفة في النيويورك تايمز، بينما يعتبر طرح ومناقشة الموضوعات بصورة موضوعية أمر استثنائي.
كتبت: أندريا ليفين
أنظر التقرير المنشور باللغة الإنجليزية بهذا الخصوص على موقع مؤسسة “كاميرا”

