تحديث: “نيويورك تايمز” تصحح

الصورة من موقع www.pexels.com

بعد اطلاع “كاميرا” لمحرري “نيويورك تايمز” على تاريخ العرعير الحافل بالشيطنة وتقديم الإسرائيليين بشكل مشوه في محاضراته، على عكس ما وصفته به الصحيفة، نشرت هيئة تحرير صحيفة “نيويورك تايمز” البيان التالي:

بيان صادر عن هيئة التحرير في 13 ديسمبر/كانون الأول 2021

بعد نشر هذا المقال، اطّلع محررو الصحيفة على معلومات إضافية تتعارض مع الصورة التي رسمها مقال لرفعت العرعير، أستاذ الأدب في الجامعة الإسلامية في غزة، والذي وصف بأنه يقدم القصائد الإسرائيلية بصورة إيجابية لطلابه الفلسطينيين.

وفي الندوة التي حضرها أحد مراسلي التايمز، كان البروفيسور العرعير يستعرض قصيدة للشاعر الإسرائيلي يهودا عميحاي قال عنها إنها ‘جميلة’ مضيفاً أنها تؤكد “الإنسانية المشتركة” للإسرائيليين والفلسطينيين، كما أعرب عن إعجابه بالطريق التي أظهرت فيها أن القدس مكان ‘نجتمع فيه سوياً بغض النظر عن الدين أو العقيدة’.

ولكنه ضمن مقطع لدرس أعطاه عام 2019 قال عن الشاعر نفسه ‘مروع’ و’يمثل خطر’ مبيناً أن القصيدة، وإن كانت جميلة من الناحية الأدبية، إلا أنها ‘تغسل أدمغة’ القراء عبر وصفها للإسرائيليين ‘بالبراءة’، كما استعرض قصيدة أخرى للشاعر توفيا ريبنر، وصفها بأنها ‘خطرة’، مضيفاً أن ‘هذا النوع من الشعر تقع عليه جزئياً تهمة تدمير فلسطين وتطهيرها العرقي’.

وعندما وجهت ‘نيويورك تايمز’ إلى العرعير سؤالاً حول هذا التعارض، نفى أن يكون ثمة ‘تغيير جوهري’ فيما يقوم بتدريسه، وقال إن إظهار الخطوط المتوازية بين الفلسطينيين واليهود هو ‘هدفه الأساسي’، ولكنه أضاف أن إسرائيل تستخدم الأدب باعتباره ‘أداة استعمارية وقمعية’، وأن ذلك يثير ‘تساؤلات مشروعة’ حول قصيدة الشاعر عميحاي.

وفي ضوء هذه المعلومات الإضافية، توصل المحررون إلى أن المقال المنشور لم يعكس بدقة مواقف العرعير من الشعر الإسرائيلي ولا أسلوب تدريسه له، ولو كانت الصحيفة أكثر حرصاً على العمل الإخباري بالنسبة للعرعير، لكان المقال يقدم صورة أكثر شمولاً وإحاطة.

إن هيئة التحرير تستحق الثناء لإقرارها المباشر بالخطأ ولتحديث معلومات القراء حول المغالطات التي روج لها المقال، آملين بألا يتكرر ذلك مجدداً. نتيجة تحقيق “كاميرا” ومكاتبتها مع المحررين، نشرت هيئة تحرير “نيويورك تايمز” بياناً قوياً تراجعت ضمنه عن ما تضمنه المقال. أقر البيان أن المقال لم يكن على درجة كافية من الدقة، مشيراً إلى أن الموضوع كان يستلزم عملاً صحفياً أكثر جديةً.

روى مراسل “نيويورك تايمز” باتريك كينغسلي هذه الشهر عن أستاذ للشعر في غزة يحطم الحدود.

يخبر كينغسلي قراءه بأن أ. رفعت العرعير “يضفي ألواناً جديدة” على الروايتين المتعارضتين الفلسطينية والإسرائيلية، حيث يقدم لطلابه “تقييماً” لبعض الشعراء الإسرائيليين، معرباً عن إعجابه بالطريقة التي يخفف فيها شاعر إسرائيل من الفرقة بين الطرفين، ورغم ما يلاقيه من مصاعب مفروضة من إسرائيل يفاجئ العرعير بكونه “نصيراً” للشعر الإسرائيلي إلى حد استخدامه للقصائد في التعليم “إنسانية” اليهود الإسرائيليين.

إنه لأمر رائع وغير متوقع. ولكنه وهم.

فعلى شبكات التواصل الاجتماعي يظهر العرعير على أنه رجل مليء بالكراهية، حيث يصف “الصهاينة” بالقذارة، والصهيونية بالمرض. ولا يردعه كون كلمة “صهيوني” يستعملها المعادون للسامية كنايةً عن اليهودي، كما لا يردعه كون كلمة “صهيوني” تعني عند اليهود أغلبية يهود العالم، إذ يقول 80 في المئة من يهود الولايات المتحدة وحدها أن حبهم لإسرائيل أمر حاسم في كونهم يهوداً.

إنه يقارن الدولة اليهودية وأنصارها بالنازيين، بل يذهب إلى القول في إحدى تغريداته على تطبيق “تويتر” إن إسرائيل أسوأ بكثير من ألمانيا النازية، بل يصفها بالنازية المعززة ووريثة لألمانيا النازية، مشيراً إلى أن ثمة احتلالاً إسرائيلياً لفلسطين شبيها بالنازية، ثم يقرر أن إسرائيل احتضنت النازية والنازيين والنازيين الجدد على الدوام، كما تستخدم النازية لتفعل بالفلسطينيين ما كان النازيون يفعلونه باليهود.

ثمة تعريف لمعاداة السامية حدده “الائتلاف الدولي لحفظ ذكرى الهولوكوست” يقول إن من بين ما تتمثل فيه معاداة السامية مساواتها بين سياسة إسرائيل والنازية، ولكن العرعير لا يهمه مثل هذا التعريف المقبول دولياً، بل يلجأ إلى العبارات النابية في استنكاره.

قد ترى المؤرخة ديبورا ليبستاد (التي حققت نصراً قضائياً على من رفع دعوى عليها لوصفها إياه بمنكر للهولوكوست) أن عملية عكس اتجاه الهولوكوست، وهو مصطلح يشير إلى الاتهام الموجه إلى إسرائيل بأنها تفعل بالفلسطينيين ما فعله النازيون باليهود، ما هي إلا شكلاً “مخففاً” من إنكار الهولوكوست يضاعف ملايين المرات أي ظلم يمكن أن تكون إسرائيل ارتكبته فيما يقلص ملايين مرة ما ارتكبه النازيون، ولكن العرعير لا يتردد في القول إن أي شيء وكل شيء ما هو إلا دليلا على نازية إسرائيل.

ومن أكاذيب العرعير ما زعمه من كون إسرائيل كياناً شبيهاً بالنازية لقيامها بتزويد السلطة الفلسطينية بلقاحات كورونا منتهية الصلاحية وتمثل خطراً.

وغني عن القول إن أكاذيب العرعير حول اليهود والهولوكوست تشكل بصقة في وجه الناجين من الهولوكوست والذين يصف العديد منهم بالنازيين حين يعلن، على سبيل المثال، أن جميع أنصار إسرائيل كانوا سيمجدون النازيين لو كانوا يعيشون في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، متجاهلا كون العديد من أنصار إسرائيل هم أنفسهم في عداد الناجين من الهولوكوست.

ويحرص العرعير على تذكيرنا بأن إسرائيل ليست وحدها نازية، بل إن غالبية يهود العالم ممن يدعمونها هم نازيون كذلك. ويقول إن “الصهاينة ليسوا سوى قمامة لتآمرهم مع النازيين على اليهود” ومن مقولاته “المأثورة” أيضا: “متى تعرف أن الصهيوني يكذب؟ عند فتحه لفمه.” نفس الكلام بل نفس العبارات يكررها العرعير مرة تلو أخرى دون أن يكلف نفسه، وهو أستاذ الأدب، عناء تنويع عباراته واستخدام المرادفات وما إلى ذلك، ولكنه في المقابل لا يتردد في الإعلان أن “الصهاينة أقل الحثالة إبداعا”.

وإن كان العرعير أذكى من أن يستعمل مثل تلك العبارات النابية في محاضراته الجامعية، إلا أنه يلجأ إليها في مشاركاته على شبكات التواصل الاجتماعي. ففي تويتر على سبيل المثال يقول عن نزلاء معسكرات التجميع والذين يعلم ديانتهم بلا شك، ولكنه يجهل مواقفهم السياسية: “إن الصهاينة من أوسخ الوشاة في التاريخ… ولا عجب في أن الكثيرين منهم أدوا دور “الكابو” (يصف مصطلح “كابو” نزلاء في معسكرات التجميع أسند النازيون بهم سلطات مكنتهم من التحكم في إخوانهم النزلاء).

وفي إحدى تغريداته قال الأستاذ العرعير إن كافة اليهود الأمريكيين يستطيعون الذهاب إلى “فلسطين المحتلة” وتلقي المنازل مجانا والاستمتاع بإطلاق النار والقتل. وحرصا منا على العدل والإنصاف نقول إنه، وبعد نشر تقرير لإعلامي فلسطيني تضمن انتقادات لحماس، اتهم الإعلامي بالصهيونية…

إنه هو الرجل الذي قالت نيو يورك تايمز عنه إنه يبني الجسور…

للحقيقة نقول إن تقرير الصحيفة الأمريكية يشير إشارة عابرة إلى سلوك العرعير على التويتر، إذ يقول إنه يوجه وابلا من الهجمات المسعورة التي يصف إسرائيل فيها بأنها منبع للشر، بل يدافع في إحدى مشاركاته عن اتباع العنف بحق المدنيين الإسرائيليين، مؤكدا أن أي شكل من أشكال “المقاومة الفلسطينية” لا يمكن بحال من الأحوال وصفه بالإرهاب، ذلك أن جميع الإسرائيليين عسكريون وفلسطين كلها محتلة.

وإن كان الدفاع عن الإرهاب خطيئة، إلا أن الصورة التي يرسمها كينغسلي واكتفاءه بمثال يتيم بعيدان كل البعد عن وصف يليق بهجمات العرعير المسعورة، وعلى أية حال، فالصحفي الأمريكي يسرع إلى إتباع إقراره بسلوك العرعير بكلمة “ولكن”، إذ يقول: “ولكن أسلوب العرعير في قاعة المحاضرات يتسم بمقاربة أكاديمية أكثر لطافة.”

ولكن وصف الصحيفة لسلوك العرعير في الصف الدراسي زائف، والتبرئة هنا هي بيت القصيد، وبعبارة أخرى فإن الحديث عن رسائل “غاضبة” على الوسائط الاجتماعية يأتي ليزيد الرواية التمجيدية بريقا وأناقة، ما يثير تساؤلا عن سبب عرض الصحيفة لنفسها منصة لكيل المديح لشخص يمتهن نشر الكراهية ويمثل الشعر ونشر الافتراءات حول المجتمع اليهودي الرئيسي.

قد يقول المراقب المستقل إن الإدراك الأكثر شمولا لتطرف العرعير على الإنترنت يزيد من قوة رسالة يريد التقرير إيصالها للقارئ مفادها أن الشخص الذي يكره إسرائيل بل يمقتها على الإنترنت، يغرس في طلابه الجامعيين الشعور بتعاطف نحو الإسرائيليين.   

إلا أن وصف سلوك العرعير في الصف الدراسي ما هو إلا كذبا وتزويرا. إن البذاءات في الصف أقل، صحيح، وثمة بعض الانشغال بالأسلوب التعبيري والوزن، ولكن محاضراته حول الشعر الإسرائيلي أقرب بكثير مما نراه على التويتر منها مما ترويه لنا عنه نيو يورك تايمز. ليس واضحا في هذه الحالة من التحريف الصحفي ما إذا كانت الصحيفة تضلل قراءها عن قصد، أم أن كينغسلي مخدوع من بطل روايته. فالصحيفة لا تخبر قراءها ما إذا كان مراسل لها حاضرا لمحاضرة ألقاها العرعير بمعرفة أو موافقة منه خلال محاضرة “معتدلة”، ولكن بعض الصور الملحقة بالتقرير تكشف أنه كان على علم بأنه مراقَب، أقله من قبل مصور يعمل لحساب نيو يورك تايمز إن لم يكن كينغسلي نفسه.

قد يكون العرعير قام بعرض موجه إلى الجمهور الغربي، وإن لم تكن نيو يورك تايمز مطلعة على هذا التظاهر إلا أن صحيفة تكثر من إخفاء الدور الذي يلعبه متطرفون فلسطينيون في إدامة النزاع كان من الجدير بها أن تتحقق من صحة ما تنشر (نستذكر هنا أن إحدى محرري الصحيفة شعرت مرة بالحاجة لتذكير زملائها بأن الفلسطينيين “أكثر من مجرد ضحايا”.

ولو تمسكت نيو يورك تايمز مسترشدة بأحد توجيهاتها لعامليها يتحدث عن “تحري الحقيقة ونشرها”، لوجدت أن المحاضرة نفسها المدرجة في منهاج العرعير، كان قد ألقى مثلها عام 2019 دون حضور للصحافة بل حملها لليوتيوب، وقد تحدث فيها عن نفس الشاعرين الإسرائيليين، وهما يهودا عميحاي وتوفيا ريبنر وعن قصيدتيهما ذاتيهما، ولكن محتواهما ولهجتهما كانا مختلفين تماما. ففي المحاضرة التي ألقاها في العام الحالي بحضور مندوبي الصحيفة تحدث عن “تقييم للشاعرين” بل إن عائلة عميحاي وجدتها مصدر إلهام لها للطريقة التي “استخدم بها الشعر للاطلاع على إنسانية الطرف الآخر”. ولكن العرعير في إلقائه لنفس الدرس عام 2019 وصف قصيدة عميحاي نفسها بأنها “مروعة، إنها قصيدة مروعة”، مؤكدا لمستمعيه أنها “تمثل خطرا” وأنها أدب استعماري وغسل للأدمغة وتقدم الإسرائيليين وكأنهم أبرياء ولكنهم ليسوا كذلك. كما قال إنها تتداول “حقائق بديلة” وتلحق الضرر بالفلسطينيين وأداة أيديولوجية، وعليه فإنها “تفقد قيمتها الشعرية” وما إلى ذلك.

أما الصحيفة الأمريكية فسمعته يقول لطلابه إنه معجب بقصيدة “أورشليم” (القدس) بسبب الطريقة التي خففت بها من الفوارق بين الإسرائيليين والفلسطينيين مشيرة إلى إمكان أن تكون “المكان الذي يجمعنا جميعا بغض النظر عن ديانة وعقيدة.”، وأردف العرعير في محاضرته هذه قائلا: “لم أكن اعتقد بأنني سأقرأها ولكنني تأكدت من أن ثمة عددا كبيرا من الإسرائيليين واليهود الذين يعارضون الاحتلال تماما.”

وإذا عدنا مرة أخرى إلى نسخة 2019 رأينا أنه يقول شيئا مختلفا تمام الاختلاف، فهو بعيد كل البعد عن إعجابه “بالفوارق المخففة”، ويطالب تلامذته بألا ينجروا وراء أناقة القصيدة لأنها “تقدم الاحتلال الإسرائيلي على أنه بريء (…)”، مؤكدا على الطلاب عدم شرعية مجرد المقارنة إن لم نقل المساواة بين المحتل والمحتلة أرضه، وبين المستعمِر والمستعمَر والقامع والمقموع، مشددا أيضا على أن كلمة “الاحتلال” تصف الكيان الإسرائيلي داخل أي حدود كانت بالمحتل، لكون “فلسطين كلها محتلة.”  

أي عرعير نصدق إذن؟ هل هو عرعير 2021 أم هو عرعير 2019؟

ويقوم الأستاذ العرعير أيضا بتوجيه طلابه إلى استنتاجات مماثلة حول قصيدة توفيا ريبنر “ها أنا قلت”، حيث يتهمه أيضا بفبركة التاريخ ويصف القصيدة بخطر وأداة أيديولوجية، لأنها “تحذف” و”تبيد” و”تنزع جذور” الفلسطينيين، كما أنها تتحمل في جزء منها تهمة “التطهير العرقي” و”تدمير فلسطين”.

مبنى صحيفة “نيويورك تايمز” في مدينة نيويورك الأمريكية.

وبعد تمجيده للشعر لما فيه من قيم جمالية ومساهمة في التقدم الإنساني والحضاري، وإعلانه أن الشاعر يغير الناس وأن شعره يجمعهم ويوحدهم، يؤكد أن الشعر يتم استغلاله كأداة وسلاح من قبل أنظمة شمولية واستعمارية، ويضيف أن مشكلة “الصهاينة” من بين مشاكلها العديدة تتمثل في سكن اليهود في القدس باعتبارهم محتلين ومعتدين وغرباء، بل إنهم يشكلون خطرا كبيرا، لأنهم وإن كانوا لا يعارضون الاحتلال، إلا أنهم يريدونه محبوبا، بحيث لا يقتل الفلسطينيين عبر ذبحهم وقصفهم بل عبر تجويعهم ومحاصرتهم وقتلهم خارج مدى الكاميرات لكي لا تبدو إسرائيل شريرة بعيون الغرب.

إن الأستاذ يخدع طلابه ليس بشأن الشاعرين عميحاي وريبنر فحسب بل بشأن معاني قصائدهما. إن الشعر يمثل في الحقيقة دليلا قاطعا على أن هدف العرعير ليس تعليم الطلاب، فهؤلاء سوف يخرجون من المحاضرات أكثر جهلا مما دخلوها، بل هو الشيطنة والتحريض.

لقد ألف عميحاي قصيدة “أورشليم” قبل عام 1967، وفيما كانت القدس مقسمة بواسطة الأسلاك الشائكة بين إسرائيل في غربها وجارته الأردن في شطرها الشرقي. وتصف القصيدة إسرائيليا يجلس على سطح منزله محاولا رؤية أشياء لا يستطيع رؤيتها بسبب السور الذي يقسم المدينة. إنه يرى شرشفا ومنشفة وطائرة ورقية يختفي صاحبها الصغير عن الأعين، لينهي الشاعر قصيدته مشيرا إلى “الأعلام” الكثيرة التي يرفعها الطرفان، والتي تجعل كلا من الطرفين يؤمن بأنه سعيد.

وعندما كان مراسلو التايمز حاضرين في قاعة المحاضرات أثنى العرعير على القصيدة قائلا إنه تأثر بأنسنتها للخصمين وإظهارها أن القدس يمكن أن تكون مكانا يجمعنا معا بغض النظر عن ديانة وعقيدة، ولكنه خلال محاضرة لا يحضرها صحفيون يستنكر القصيدة ذاتها لأنها تنزع عن الفلسطينيين إنسانيتهم. إن الرؤية التي قدمها بحضور الإعلاميين يؤيدها الكثيرون ومن بينهم البروفيسورة لبنى بن سالم أستاذة الأدب المقارن في جامعة منوبة التونسية، والتي أوردت قصيدة عميحاي باعتبارها مثالا على حب الشاعر الإسرائيلي للمساواة وأمنيته في التعايش السلمي بين العربي والإسرائيلي.

إن الرؤية الأكثر لطفا تقول بأن الشعر خاضع للتحليل والتأويل، حتى إن بدت بعض الرؤى غريبة. (لقد أصر العرعير في نسخة 2019 من المحاضرة على أن قصيدة عميحاي دليل على أنه بخلاف الفلسطينيين الذين يعتبرون القدس مكانا روحانيا يصل بينهم وبين آبائهم، فإن “الغرباء” اليهود لا يرون سوى التوافه مثل الغسيل (الشراشف والمناشف) والأسوار. ويهزأ العرعير قائلا إن الرجل الجالس على السطح لا يرى سوى الغسيل.

لا خلاف حول ظروف القدس في الفترة التي ألف فيها عميحاي قصيدته، والتي تعكسها أبياتها بوضوح، فقد كانت المملكة الأردنية هاجمت المدينة قبل ذلك ببضع سنوات واحتلت شطرها الشرقي وطردت سكانه اليهود. وكان جزء من خط وقف إطلاق النار الذي قسم المدينة مقابلا للأسوار العتيقة للبلدة القديمة. كان عميحاي يسكن في أوائل ستينات القرن الماضي في حي “يمين موشيه” القريب من خطوط التقسيم وأسوار البلدة القديمة. غير أن العرعير، وفي نسخة 2019 من محاضرته لم يطلع الطلاب على وقت تأليف القصيدة وما يعني، بل جعلهم يعتقدون أن السور في القصيدة ليس سوى جدار أمني تم إنشاؤه لردع الانتحاريين بعد عقود وعقود من تأليف تلك الأبيات. يؤكد العرعير لطلابه أن السور في القصيدة أنشأته إسرائيل، وهو مثال آخر على تقديمه للحقائق البديلة لطلابه.

 لماذا يصور العرعير لطلابه عميحاي على أنه مسخ، ولماذا يجعل محاضرة جامعية درسا في مناهضة إسرائيل؟ لأنه ليس من بناة الجسور، بل هو في صميم قلبه الشخص نفسه الذي ينفث الكراهية على الإنترنت، وقد يكون سلوكه في الصف مختلفا عن نوبات غضبه على التويتر من حيث الصياغة ولكن لا فرق بينهما من حيث المحتوى.

أما تحليل العرعير لقصيدة “ها أنا قلت” للشاعر ريبنر، فهو الآخر قائم على التضليل من أجل تحريض الطلاب ضد الإسرائيليين.

تدور القصيدة حول رجل يسافر مما يسميه بيته المؤقت ليُري أبناءه مسقط رأسه.

يدعي العرعير في محاضرته التي ألقاها في عام 2019 بأن هذه القصيدة تتطرق إلى بيت ريبنر في أوروبا، فيما المكان الذي ينطلق منه هو فلسطين وليس سلوفينيا أو سلوفاكيا، بمعنى أن القصيدة تدور حول والد يهودي “مغسول الدماغ” يحاول تلقين أبنائه ليؤمنوا بأن فلسطين، أي أرض إسرائيل، هي وطنهم.

ولكنه يصر على أن ذلك ما هو إلا فبركة، فاليهود ليسوا من فلسطين، فحتى اليهود القدماء الذين عاشوا على أرض إسرائيل ليسوا من أبنائها بل إنهم “مهاجرون” قادمون من مناطق جغرافية شتى لينضموا إلى الكنعانيين. “لهذا السبب” يقول العرعير “اكره هذا النوع من الشعر”. ويضيف أنه حين يقول شاعر يهودي إن كل شيء ظل كما هو، فهو تشويه للتاريخ.

وللتشديد على أن الشاعر ريبنر كذاب ينقل العرعير بيتا من القصيدة يقول: “إنني مولود هنا” ويقول: “لا، لست مولودا هنا، بل إنك مولود في أوروبا”، ثم ينقل بيتا آخر: “ووالداي ووالدا والدَيَّ مولودون قريبا من هنا” ليرد: إذا كان “قريبا من هنا” يعني روسيا، أو سلوفاكيا أو لا يهم، فنعم.

ومن مزاعم العرعير أن ريبنر وأمثاله من الشعراء الإسرائيليين يصورون الفلسطينيين على انهم “همج” ويريدون أن يقتلوا أو يتم ترحيلهم، غير أن ريبنر ينتقد بشدة في قصائده الحكومات الإسرائيلية، معربا عن تعاطفه مع الفلسطينيين.

ولكن هذا لا يعني العرعير من قريب أو بعيد. إنه يكذب فيما يقوله عن ريبنر ومحتوى قصيدته، لأنه يريد أن يقول ما عليه قوله من أجل شيطنة اليهود.

ويبدو أن نيو يورك تايمز هي الأخرى لا يعنيها ذلك من قريب أو بعيد، فرغم الأدلة المتوفرة علنا والتي تثبت عكس ذلك، إلا أنها تنظر إلى العرعير على أنه البروفيسور الشريف والعالم الذي يتحرى الحقيقة رغم ما يحيط به ورغم غضبه هو خارج قاعة المحاضرات، أو بعباراتها هي في أحد عناوينها: “في الإعلام الاجتماعي يرغي رفعت العرير ويزبد ضد إسرائيل، أما في قاعة المحاضرات، فيثابر على تحليل أعمال رواد الشعراء الإسرائيليين، بل ويفاجئ بعض طلابه”.

إنه افتراء على نفس مستوى أكاذيب العرعير، إذ لا نجد في محاضراته في سنة دراسية عادية لا “تحليل مثابر” لإسرائيل ولا “تقييم” ولا تعليم “للإنسانية”، بل ليس ثمة سوى المزيد من ثورات الغضب.

إننا نعلم لماذا يفعل العرعير ما يفعل في قاعة المحاضرات وعلى الإنترنت. إنه يأمل في نشر فكرة أن “الصهاينة” ليسوا سوى “وساخة” و”مرض” و”عدو للأحرار والشرفاء حول العالم”.

كما أننا نعلم سبب قيام الجامعة الإسلامية في غزة بتوظيفه، فحتى نيو يورك تايمز اعترفت بأن تلك الجامعة تمثل “إحدى أهم أدوات تجييش الفلسطينيين لدعم قضيتها.”

ولكن لماذا يستميت كينغسلي و”نيويورك تايمز” للتغطية على العرير إلى حد أنهما، وبما يماثل كثيرا الأستاذ الذي يدافعان عنه، يضللان قراءهما بشكل سافر؟ إنها مفاجأة حقيقية للذين ينتظرون من الصحيفة عملا صحافيا يقوم على الحقيقة.

بقلمجلعاد عيني

أنظر إلى التقرير الأصلي على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *