8 أبريل 2022
بينما قامت منصة “فايس” بعمل مثالي في تسليط الضوء على المحتوى المعادي لإسرائيل في “دويتشه فيله” العربية، فإنها لم تكن بنفس الفعالية في معالجة المحتوى التحريضي على منصتها العربية الخاصة.
وفي الوقت الذي كانت فيه هيئة البث الألمانية العامة “دويتشه فيله” تحاول معالجة تداعيات فضيحة معاداة السامية التي هزت قسمها العربي، كشفت منصة “فايس” الألمانية في ديسمبر الماضي أن مشكلة معاداة السامية في “دويتشه فيله” كانت أوسع مما كان يُعتقد.
سلط تحقيقان أعدهما فيلكس داتشل ويان كارن من فرع “فايس” الألماني الضوء على استمرار شراكات “دويتشه فيله” مع قناتي “رؤيا” الأردنية و”الجديد” اللبنانية، رغم أن هاتين القناتين دأبتا على مهاجمة إسرائيل. واتخذت “دويتشه فيله” إجراءات سريعة بعد التقرير الأول حول القناة الأردنية، ما يشير إلى نجاح “فايس” في محاسبة المؤسسة الإعلامية الألمانية وفق معاييرها الخاصة.
لكن عندما يتعلق الأمر بمعالجة المحتوى المعادي لإسرائيل داخل منصتها، فإن لدى “فايس” الكثير من العمل لتقوم به. إذ ينخرط بعض كتاب “فايس” العربية في حملات تشويه ضد إسرائيل والإسرائيليين، مستخدمين الموقع لنشر رواية منحازة للغاية للأحداث التاريخية والمعاصرة.
وفي بعض الأحيان سواء في الماضي او بالحاضر، يظهر هذا المحتوى الإشكالي في المنصة الإنجليزية أيضًا، كما هو الحال في هذا التقرير الذي يتجاهل الإرهاب الذي يستهدف المدنيين الإسرائيليين.
تحيز واضح ضد إسرائيل
تمامًا مثل نظرائهم في “رؤيا” و”الجديد”، يستخدم مراسلو “فايس” العربية مصطلحات مثل “الاحتلال الإسرائيلي” أو “دولة الاحتلال” عند الإشارة إلى إسرائيل عمومًا، وليس فقط إلى السلطات العسكرية في المناطق المتنازع عليها (المحتلة). كما أنهم يحاولون نزع الشرعية عن الدولة من خلال وضع اسم “إسرائيل” بين علامتي اقتباس. بالإضافة إلى ذلك، تتم استضافة ضيوف يروجون لرؤية معادية لإسرائيل دون أي تحدٍّ أو نقاش من قبل مذيعي “فايس” ويرددون مصطلحات مثل “العدو الاسرائيلي” أو “الامبريالية الاسرائيلية“. وتتبنى مقالات الرأي التي يكتبها صحفيو “فايس” العربية نفس المواقف العدائية ضد إسرائيل.
ويتم استخدام مصطلحات مثل “الداخل الفلسطيني المحتل” (هنا و هنا)، بالإضافة إلى استخدام المصطلح المفضل دائمًا: “الكيان الصهيوني”. يحظى المحللون المناهضون لإسرائيل بفرصة غير مقيدة من قبل مقدمي فايس الذين لا يتحدونهم. كما أن المقالات الافتتاحية التي يكتبها صحفيو فايس العربية تعكس بانتظام نفس النظرة العدائية المعادية لإسرائيل.
يظهر انحياز “فايس العربية” بشكل واضح أيضًا في إشارتها إلى الأراضي الإسرائيلية المعترف بها دوليًا داخل خطوط وقف إطلاق النار لعام 1949 بوصفها “الداخل المحتل“، أو “الأراضي المحتلة عام 1948“، أو “أراضي الـ48“. يزعم مراسلوها بانتظام أن الأراضي الإسرائيلية المعترف بها دوليًا تخضع حاليًا “لأكثر من سبعين عامًا من الاحتلال“. كما أنهم يصورون المجتمعات اليهودية داخل هذه الأراضي على أنها “مستوطنات“، ويصفون سكانها بـ”المستوطنين“.
التلاعب بالجغرافيا والتاريخ
علاوة على ذلك، يقوم صحفيو “فايس” العربية بتوصيف المدن الإسرائيلية، سواء أكانت يهودية أو عربية أو مختلطة، مثل الجليل، والنقب، وحيفا، وقيسارية، واللد، وبيسان وغيرها، على أنها “فلسطينية” ويضعونها ضمن “فلسطين” (كما يتضح هنا و هنا)أو “الداخل الفلسطيني” (كما هو واضح هنا وهنا و هنا أيضا ). كما نشروا خرائط تحذف إسرائيل بالكامل، في محاولة لتبييض جهود الحركات الفلسطينية التي تسعى إلى استبدال إسرائيل بدلاً من التعايش معها.
في إحدى الحالات البارزة، نشر الصحفي آدم حاج يحيى مقالاً في 7 يونيو 2021 بعنوان “القدس، غزة، الضفة والداخل – كيف توحد جميع الفلسطينيين لمقاومة الاستعمار والتهجير״ وجاء في مقدمته:
مع نكبة عام 1948 وقيام إسرائيل، تم تهجير 750 ألف فلسطيني وفلسطينيّة من بيوتهم وأرضهم. في الوقت الذي كان نصف السكان الفلسطينيين يلتمسون اللجوء خارج وطنهم الأصلي، بقي النصف الآخر في فلسطين، وكل من بقي داخل حدود عام 1948 أصبحوا فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويطلق عليهم عمومًا اسم فلسطينييّ 48، ويختزلون استعماريًا بـ “عرب إسرائيل.”
أما النسخة الأصلية قبل تعديلها في ديسمبر 2021، فكانت أكثر تطرفًا، حيث ذكرت وفي بدايتها تقول:
مع نكبة عام 1948، طردت الميليشيات الصهيونية 750 ألف فلسطيني وفلسطينيّة من منازلهم، واحتلت فلسطين التاريخية وأقامت مستعمرة استيطانية هي إسرائيل.
الترويج للمواقف المتطرفة
مقال رأي بارز آخر كان للكاتب سالم الريّس في 29 نوفمبر 2020، بعنوان “ في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني: إليكم عشر خطوات لدعم الفلسطينيين… لا تسلموا للرواية الإسرائيلية“، حيث زعم أن إسرائيل “تحاول طمس، وتزييف، وسرقة تراث وهوية الشعب الفلسطيني”، واستشهد بما وصفه “احتلال ما يقارب 85% من أرض فلسطين.” ثم واصل حديثه قائلاً:
لكن خلال السنوات الأخيرة، عملت إسرائيل على سرقة الأكلات الفلسطينية وتسميتها باسمها مثالاً الحمص الإسرائيلي والفلافل الإسرائيلي.
ويضيف:
لا يوجد هناك حمص أو فلافل أو شكشوكة إسرائيلية، إذ أن إسرائيل لم تغير أي شيء من مكونات الطبق الفلسطيني، فقط أضافت إسمها عليه. ساهم في إخبار أصدقائك بذلك، أخبر المطاعم في مختلف مدن العالم التي تنسب الحمص والفلافل وغيرها لإسرائيل، بأصالتها الفلسطينية.
ويضيف أيضا :
لا تزال إسرائيل تحتجز جثامين مئات الشهداء الفلسطينيين والعرب من ضمنهم أسرى، قتلوا تحت التعذيب، ودفنوا في مقابر سرّية.
كما يضيف أيضا القول :
تعرض الفلسطينيون لعملية تطهير عرقي لم تحدث في التاريخ كان معدًا لها مسبقًا.
بين نوفمبر 2020 ونوفمبر 2021، شغل سالم الريّس أيضًا منصب رئيس تحرير موقع “مصدر نيوز” الغزّي، حيث كان يتم وصف إسرائيل مرارًا وتكرارًا بأنها “العدو الصهيوني”، و”الكيان الصهيوني”، و”المشروع الصهيوني” و”الاحتلال الصهيوني“. كما أشاد الموقع بمقاتلي “سرايا القدس” و”كتائب القسام” باعتبارهم “شهداء”، رغم تصنيفهم من قبل الغرب كإرهابيين.
وصف الموقع هؤلاء بـ”الشهداء”. كما مجّد أيضاً قتلة المدنيين اليهود الأبرياء خلال عشرينيات القرن الماضي في فلسطين تحت الانتداب البريطاني، واصفاً إياهم بـ”الأبطال الشهداء”.

ومن اللافت أن الريّس قام لاحقًا بحذف تفاصيل عمله في “مصدر نيوز” من حسابه على فيسبوك، لكن صورة مأخوذة عبر “جوجل كاش” تُظهر بيانات عمله المحذوفة.
تحريض مخالف لسياسة “فايس”
لا يقتصر الأمر على أن تحيز “فايس” العربية ضد إسرائيل يضاهي تحيز “رؤيا” و”الجديد”، بل إنه أيضًا يتعارض مع قواعد السلوك الخاصة بـ”فايس”. فوفقًا لـ”مدونة الأخلاقيات” الخاصة بالشركة، لا ينبغي أن يحتوي المحتوى على “أكاذيب أو تشهير”، أو أن يعكس “تحيزًا وكراهية ضد جماعة عرقية أو دينية أو مجتمعية معينة”، كما أنه لا يجوز له “تشجيع أعمال العنف”.
بعد أن نجحت “فايس” في فضح التحيز المعادي لإسرائيل في “دويتشه فيله”، حان الوقت لأن تنظف بيتها الداخلي أيضًا.
أنظر إلى التقرير الأصلي على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية.