ما وراء مصطلح “الصحفي الفلسطيني” الذي تتداوله هيئة الإذاعة البريطانية BBC عند نقل أخبارها

في فبراير الماضي، قال جيريمي بوين، مراسل بي بي سي، لمستمعي راديو 4 ما يلي:

“الصحفيون الوحيدون ممن يعملون في غزة حالياً هم الفلسطينيون الذين كانوا هناك بالقطاع في 7 أكتوبر ولم يغادروا. قُتل العديد من الصحفيين الفلسطينيين. وغادر القطاع الكثير من الصحفيين الآخرين، بما في ذلك زملائي من مكتب ‘بي بي سي’ في غزة، مع عائلاتهم. أما أولئك الذين استمروا في التواجد بالقطاع، سواء إن كان هذا باختيارهم أو لأنهم لم يحصلوا على إذن بالعبور إلى مصر، فهم شجعان للغاية. نحن نعمل مع صحفيين مستقلين داخل غزة يتواصلون مع مكتبنا في القدس. وسنواصل الرسالة الإعلامية معهم.”

كما ذكرنا سابقًا، شاهد جمهور “بي بي سي” بالفعل تقارير من قطاع غزة تُنسب إلى صحفيين بعضهم غير موجودين بالأساس في القطاع، دون تقديم أي وصف توضيحي يتعلق بمن يقوم بتصوير المقابلات أو تقديم الصور التي يعرضونها في تقاريرهم الإعلامية. في الخامس عشر من مايو/أيار، نشر موقع “بي بي سي نيوز” تقريرًا يقدم بعض المعلومات التي تعتمد على المصادر التي تزود بي بي سي حاليًا بالمعلومات حول الأحداث في قطاع غزة.

وتحت عنوان “حرب غزة: المعارك تحتدم مع تكثيف القوات الإسرائيلية عملياتها في جباليا ورفح“، نشر الموقع تقريرا يطرح بعض من الادعاءات المتعلقة بالأحداث في كلا من مدينة رفح ومدينة جباليا ، كما تطرق لما جرى في حي الزيتون يومي 14 و15 أيار/مايو.

وبالعودة إلى تحليل ما تضمنه هذا التقرير نجد إنه اعتمد على معلومات قدمتها مصادر من بينها “الجناح العسكري لحركة حماس”، “وكالة أنباء صفا التابعة للحركة”، و”وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية وفا”، و”قوة الدفاع المدني” التابعة لحركة حماس في غزة” – وقد قامت الهيئة بالترويج لقصة كاذبة حديثة تتعلق بـ “المقابر الجماعية”.

كما تغاضت BBC عن بعض من الحقائق في روايتها ، خاصة فيما يتعلق بالأحداث في جباليا ، ولم يذكر التقرير أي خبر أو إشارة لما تم القيام به من إطلاق هجمات صاروخية على مدنيين إسرائيليين يحتفلون بيوم الاستقلال لدولية إسرائيل من جباليا مثلا .

وفي الوقت نفسه، قال الجيش إن الفرقة 98 التابعة له توغلت في مخيم جباليا شمال قطاع غزة ليلا ، مما أسفر عن مقتل العديد من المسلحين التابعين لحركة حماس وسط القتال. وقال الجيش الإسرائيلي إن اللواءين المدرعين السابع و460 من الفرقة اشتبكوا مع “عشرات المجموعات المسلحة وقضوا على عدد كبير من الإرهابيين” خلال اليوم الماضي. وفي المنطقة نفسها، قتلت غارة بطائرة بدون طيار خلية إرهابية مسؤولة عن إطلاق الصواريخ على مدينة سديروت الجنوبية ، بحسب بيان صادر عن الجيش. ومن بعدها أُطلقت عدة صواريخ من جباليا على سديروت. وقالت السلطات إن نظام الدفاع الجوي “القبة الحديدية” أسقط بعض الصواريخ، في حين أصاب صاروخ واحد على الأقل مبنى غير مأهول، ولم تكن هناك إصابات.”

وفي نهاية تقرير بي بي سي، يجد القارئ الرواية التالية:

القوات الإسرائيلية تقدمت إلى مسافة تقل عن 1.6 كيلومتر (ميل واحد) من وسط مدينة رفح ، عندما قُتل جندي إسرائيلي في الجنوب. وطلب الجيش الإسرائيلي من السكان النازحين التوجه نحو “منطقة إنسانية موسعة” تمتد شمالا من قطاع المواصي الساحلي إلى بلدة دير البلح في المنطقة الوسطى بغزة.

وقالت هند خضري، صحفية فلسطينية في دير البلح، لبي بي سي إن العديد من سكان رفح باتوا لاجئين ، بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية. وتضيف خضري “لسوء الحظ، المنطقة الوسطى مكتظة بالناس. نتحدث عن منطقة صغيرة جدًا من المفترض أن تكون مناسبة لأكثر من مليون فلسطيني.. طلبوا أيضًا من الناس الذهاب إلى خان يونس، لكنها دمرت بالكامل ولا يستطيع الناس الوصول إلى الاحتياجات الأساسية، مثل المياه”. وأشارت خضري أيضاً إلى أن بعض أولئك الذين ما زالوا في رفح لا يستطيعون دفع ثمن مغادرة السيارة أو أنهم ينتظرون أن يطلب منهم جيش الدفاع الإسرائيلي الإخلاء. وتضيف قائلة “الناس متعبون. لقد نزحوا أكثر من سبع أو ثماني مرات… لذا فإن الوضع يتدهور كل دقيقة”. أغلب القراء بالطبع لن يكونوا على دراية بما نقلته “الصحفية الفلسطينية” من استنتاجات تفتقر للمصداقية.

عموما ووفقًا لملف خضري الشخصي على موقع LinkedIn، تعمل هذه الصحفية حاليًا بصورة مستقلة مع قناة الجزيرة القطرية ووكالة الأناضول الرسمية التركية ، وبجانب ذلك تعمل كمنتجة محتوى لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ، (وهذا ما ورد أيضًا في تقرير تعريفها بالتقرير المنشور في هيئة الإذاعة البريطانية) ولمشروعلسنا أرقامًا” الذي تديره منظمة الأورو متوسطية غير الحكومية و وهي منظمة مهادنة ومرتبطة بحماس. ربما تكون هند خضري – التي لها سجل في الإشادة بالإرهاب على منصات التواصل الاجتماعي – أكثر ما يتذكره الناس فيما يتعلق باعتقال العديد من النشطاء – بما في ذلك أحد الصحفيين – في قطاع غزة قبل أربع سنوات. كما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في أبريل 2020:

أدى نزاع حاد إلى تقسيم المجتمع الفلسطيني بعد أن اعتقلت حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، ستة نشطاء محليين بسبب الدردشة عبر الفيديو مع نشطاء ذوي ميول يسارية في إسرائيل. وتحظر حركة حماس المتطرفة جميع الاتصالات مع إسرائيل، وقد  اعتقلت ستة أعضاء في لجنة شباب غزة بتهم “الخيانة” و”تطبيع” العلاقات مع الدولة اليهودية . وكانت خضري وهي ناشطة سابقة أيضا في منظمة العفو الدولية  من بين اللاعبين الرئيسيين المحرضين في هذه القضية ، حيث انتقدت خطوة “التطبيع” المزعوم مع إسرائيل.

وقامت خضري بعمل تاج أو إشارة للعديد من مسؤولي حماس في منشوره عبر الإنترنت، لضمان لفت انتباههم إلى تواصل هؤلاء النشطاء ممن تم القبض عليهم مع نظرائهم في إسرائيل ، ومن بعدها بالطبع حصلت عملية الاعتقال. وقد نفت حماس وخضري معا أن تكون المنشورات على حساب الصحفية خضري تحديدا عبر حسابها الخاص في فيسبوك هي التي أدت إلى اعتقال النشطاء ممن تحدثوا مع الإسرائيليين. وقالت الخضري لوكالة فرانس برس إنها لم تندم على منشوراتها ولم تعارض اعتقال المطبعين ومن ضمنهم رامي أمان، لكنها أكدت أنها ليست مسؤولة عن اعتقالهم ، وقالت أيضا: “لم أخطئ”، منتقدة إياهم على ما وصفته بمحاولته التحدث نيابة عن جميع الفلسطينيين. وقال الخضري: “كفلسطينية، قبل أن أصبح صحفية، أنا ضد التطبيع”.

وكما هو موثق هنا في ذلك الوقت، اختارت هيئة الإذاعة البريطانية أن تتجاهل تمامًا تلك القصة التي استمرت لعدة أشهر. إن اعتماد بي بي سي على “صحفيين فلسطينيين” مثل خضري يظهر مرة أخرى المستوى المتدهور الذي تواجهه المؤسسة عندما يتعلق الأمر بفحص المصادر الحزبية التي تطلب منها روايات عن الأحداث التي يتم الترويج لها بعد ذلك دون انتقاد في جميع أنحاء العالم على أنها أخبار “دقيقة ومحايدة”.

ملحوظة: القوانين البريطانية تنص صراحة على أن التحريض جريمة خاصة وأن كان سيعرض حياة المبلغ عنه للخطر  ، وهو ما حصل بالفعل في قضية الصحفية هند خضري وانتقادها عبر حسابها بالفيس بوك للصحفي رامي أمان ، الذي أعتقل بعد ذلك على يد عناصر حركة حماس..ويبدو أن القسم العربي في BBC يتجاهل هذه المعلومة.

بقلمهادار سيلع

أنظر إلى التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع “CAMERA UK” التابع لمؤسسة “كاميرا”.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *