تغطية وكالة رويترز الحالمة لادعاءات نزعة نتنياهو الحربية

بنيامين نتنياهو. المصور: Ron Przysucha

في الوقت الذي تعد فية وكالة رويترز بتقديم “أخبار موثوقة وغير منحازة”، يأخذ مقال كريسبين بالمر المنشور في 22 يونيو بعنوان: رغم الصدامات مع رؤساء الولايات المتحدة، غالباً ما ينجح نتنياهو في تحقيق مبتغاه، منعطفاً غير متوقع نحو تحليل الأحلام.

وفي مقال مطوّل (متاح باللغة العربية) يبدو أقرب إلى مقال رأي مليء بالتعليقات التحريرية واللمزات الساخرة، بدلاً من أن يكون تقريراً إخبارياً قائماً على الحقائق كما يُتوقع من رويترز، يتجاوز بالمر الغرابة إلى حد التطفل على أحلام رئيس الوزراء المزعومة.

بعد مرور خمسة أسابيع، كانت الولايات المتحدة قد قصفت المنشآت النووية الرئيسية في إيران، محققة بذلك “حلماً” طالما راود بنيامين نتنياهو على مدى عقود: إقناع واشنطن باستخدام كامل قوتها العسكرية لإحباط الطموحات النووية لطهران.

لكن، كيف لصحفي إخباري أن يدّعي معرفته بأحلام رئيس الوزراء نتنياهو؟ لا يمكننا معرفة أحلام نتنياهو، لكن يمكننا الرجوع إلى تصريحاته العلنية بشأن تحرك الولايات المتحدة تجاه الطموحات النووية الإيرانية. وجميع تلك التصريحات تشير بوضوح إلى دعوته لفرض اتفاق أكثر صرامة مع إيران، وتشديد العقوبات – لا إلى شنّ حرب.

في الواقع، يقتبس بالمر بشكل انتقائي من خطاب نتنياهو أمام الكونغرس في عام 2015 لدعم حجته الزائفة بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يطالب بشنّ حرب أميركية ضد إيران. لكن هناك جزءاً مهماً من ذلك الخطاب يتجاهله بالمر تماماً — وهو الجزء الذي يقوّض الرواية الكاملة التي لا أساس لها من الصحة، والتي تزعم أن نتنياهو يسعى منذ عقود لدفع الولايات المتحدة نحو حرب مع إيران:

״البديل عن هذه الصفقة السيئة هو صفقة أفضل بكثير.
صفقة أفضل لا تترك لإيران بنية تحتية نووية هائلة وزمن اختراق قصير للغاية.
صفقة أفضل تُبقي القيود المفروضة على برنامج إيران النووي قائمة حتى تتوقف عن عدوانها.
صفقة أفضل لا تمنح إيران طريقاً سهلاً نحو امتلاك القنبلة. صفقة قد لا تعجب إسرائيل وجيرانها، ولكن يمكننا أن نتعايش معها – حرفياً.
״

تُظهر تغطية وكالة “رويترز” نفسها، على مدار السنوات، أن رئيس الوزراء نتنياهو كان يدفع مراراً وتكراراً باتجاه صفقة أفضل، لا نحو حرب أميركية مع إيران.

ففي عام 2012، ذكرت “رويترز” أن نتنياهو دعا الرئيس أوباما إلى وضع “خطوط حمراء” أمام إيران، وليس شنّ حرب:

بنيامين نتنياهو. المصور: Ron Przysucha

״حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد، من أن إيران ستصل إلى شفا القدرة على بناء قنبلة نووية خلال ستة أو سبعة أشهر فقط، مما يضيف إلحاحاً إلى مطلبه بأن يضع الرئيس باراك أوباما ‘خطاً أحمر’ لطهران، في خضم أسوأ أزمة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية منذ عقود.

وفي ظهوره عبر وسائل الإعلام الأميركية موجهاً خطابه مباشرة إلى الشعب الأميركي، صرّح نتنياهو أن إيران بحلول منتصف عام 2013 ستكون قد امتلكت 90% من المواد اللازمة لصنع سلاح نووي. ومرة أخرى، حث الولايات المتحدة على تحديد حدود واضحة لا ينبغي لطهران تجاوزها إذا كانت تريد تجنب عمل عسكري – وهو ما رفض الرئيس أوباما القيام به.״

وفي تقرير منفصل لوكالة “رويترز” في سبتمبر 2012، أُشير إلى أن “نتنياهو صعّد من مطالبته باتخاذ موقف أميركي أكثر حزماً تجاه إيران”.

أما في عام 2013، فقد ذكرت “رويترز” أن نتنياهو دعا إلى مواصلة الضغط الدولي على إيران، وليس إلى شنّ حرب أميركية:

دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد، إلى عدم تخفيف الضغط الدولي على إيران لكبح جهودها النووية، وذلك بعد انتخاب رئيس جديد يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره معتدلاً.

وفي وقت لاحق من ذلك العام، ذكرت “رويترز” مجدداً أن نتنياهو شدد على ضرورة عدم التراخي في العقوبات الاقتصادية الدولية، قائلاً:

أثناء حديثه أمام البرلمان في جلسة خُصّصت لقضايا الإسكان، قال نتنياهو إن مواصلة الضغط الاقتصادي على إيران هو البديل الأفضل مقارنة بخيارين آخرين، وصفهما بأنهما صفقة سيئة، أو حرب.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع الرئيس باراك أوباما في المكتب البيضاوي، عام 2015 (صورة من المكتب الصحفي الحكومي، تصوير حاييم زاخ)

في عام 2015، أفادت وكالة “رويترز” أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يسعى إلى “اتفاق أفضل”، وليس إلى حرب أميركية ضد إيران، حيث قال:

حثّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد، الولايات المتحدة على السعي نحو اتفاق أفضل لكبح برنامج إيران النووي، مشيراً إلى أنه سيضغط على المشرّعين الأميركيين لعدم منح طهران ‘طريقاً سهلاً إلى القنبلة’.

وفي عام 2019، لم تذكر وكالة “رويترز” أن نتنياهو دعا الولايات المتحدة وتحديدا الرئيس السابق جو بايدن إلى مهاجمة إيران، بل ركّزت على مطالبته بمزيد من فرض القيود الصارمة عليها، وجاء في تقرير للصحفيَّين ستيفن فاريل ودان ويليامز:

“مع توقّع استئناف تلك المحادثات غير المباشرة خلال الأيام المقبلة، حثّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على فرض قيود أكثر صرامة على إيران…

لكن إسرائيل تريد شروطاً إضافية كثيرة [على الاتفاق النووي لعام 2015]، بما في ذلك إلغاء ‘بنود الانقضاء’ التي تتيح لإيران استئناف بعض المشاريع النووية مستقبلاً، إلى جانب عمليات تفتيش أكثر شمولاً من قبل الأمم المتحدة، وتهديد عسكري أميركي جاد في حال نكثت إيران التزاماتها.”

ونقلت “رويترز” عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله: “إحدى مشكلات الاتفاق هي أنه أبقى على بنية تحتية نووية لدى إيران تمكّنها – في وقت تختاره – من التقدم بسرعة نسبية.”
وأشار إلى تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية صدر في فبراير، أفاد بأن إيران قد أنتجت معدن اليورانيوم، الذي يمكن استخدامه لصنع نواة قنبلة نووية.

قال المسؤول الإسرائيلي: “الكثير من بنود خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) تضع البنية التحتية النووية في حالة تجميد أو إهمال مؤقت… لكننا نعتقد أنه يجب حرمان إيران من هذه البنية التحتية بالكامل.”

وفي اليوم نفسه، عبّرت السعودية عن مخاوف مشابهة، حيث دعت إلى اتفاق “بمعايير أقوى ولمدة أطول”.

وفي وقت لاحق من نفس العام، ذكرت “رويترز” أن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، وخلال مؤتمر صحفي في القدس إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال إن:

واشنطن ستكثّف الضغط على إيران، استجابة لمطالب نتنياهو، لكنه لم يوضح تفاصيل الخطوات الجديدة.

وفي عام 2020، نقلت“رويترز” عن نتنياهو دعوته إلى سياسة أميركية أكثر حزماً تجاه إيران، دون الإشارة إلى دعم أي تدخل عسكري، حيث قال:

“يجب ألا يكون هناك عودة إلى الاتفاق النووي السابق. علينا التمسك بسياسة لا تقبل المساومة لضمان عدم تطوير إيران لأسلحة نووية.”

أما في عام 2021، كتب دان ويليامز في “رويترز” أن إسرائيل كانت تملك خططاً عسكرية على الطاولة، لكنها تأمل أن تواصل واشنطن فرض العقوبات الصارمة، حيث:

“عبّر مسؤولون إسرائيليون عن أملهم في أن يحافظ بايدن على حملة ‘الضغط الأقصى’ التي انتهجها ترامب تجاه طهران، عبر فرض عقوبات قاسية حتى يتم تفكيك البرنامج النووي الإيراني.”

وفي نوفمبر 2024، أشارت “رويترز” إلى أن إيران كانت قلقة من احتمال فوز ترامب مجدداً بالرئاسة، لأن ذلك قد يُمكّن إسرائيل من الدفع نحو اتفاق أكثر صرامة، وليس نحو حرب:

“يتوقّع الإيرانيون أن ترامب – الذي تولى الرئاسة بين 2017 و2021 – سيمارس أقصى ضغط على المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لإجباره على قبول اتفاق نووي وفق شروط تضعها الولايات المتحدة وإسرائيل.”

علاوة على ذلك، يوضح هذا المقال الصادر في عام 2024 بشكل جلي أن الرئيس ترامب لديه سجل صارم جداً تجاه إيران، مما يدحض حجج بالمر المعيبة والمنحازة — والتي تصادف أنها تردد صوراً نمطية معادية للسامية — التي تزعم أن نتنياهو، الذي يصور على أنه محرض على الحرب، دفع ترامب، الذي يصور على أنه صاحب نزعة سلام، إلى مهاجمة إيران.
وبالتالي، فإن مزاعم بالمر لا تتوافق مع التغطية الإخبارية لوكالة رويترز، لكنها تتقارب بشكل مريب مع مقال رأي نُشر عام 2015 على موقع رويترز للكاتب شيبلي تلحمي.

تواصلت منظمة CAMARA مع وكالة رويترز للمطالبة بإعادة صياغة شاملة لهذا المقال، بما يشمل إزالة التعليقات الساخرة والتحيزات التحريرية، والقضاء على الحجج الزائفة التي لا تستند إلى السجل التاريخي أو أرشيفات رويترز نفسها، بالإضافة إلى تجنب الاختيارات الانتقائية التي تصوّر علاقة نتنياهو مع رؤساء الولايات المتحدة بصورة مبالغ فيها أو مشوهة. كبديل، حثّت CAMARA رويترز على تصنيف المقال كمقال رأي وليس كخبر أو تقرير إخباري.

يُذكر أن نتنياهو كرر مطالبه بحصول اتفاق أفضل وليس بالحرب، وتدعو CAMARA إلى تغطية أفضل وأكثر دقة وأقل تحيزاً من رويترز حول العلاقات الأميركية-الإسرائيلية في ملف البرنامج النووي الإيراني.

كتبت: تمار ستيرنثال

للمزيد، راجعوا أيضاً: أكاذيب فوربس حول ما يُزعم من حث نتنياهو على الحرب والسيناريو الحلمي: وكالة الصحافة الفرنسية تصحح بعد ادعائها أن حلم سنوار هو إقامة دولة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

تعريف بالكاتبة: تمار سترنثال
مديرة مكتب مؤسسة كاميرا في إسرائيل. وتقوم بمتابعة ورصد المنشورات الأمريكية والمنشورات الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية، وتشرف على مشروع كاميرا بعنوان “هآرتس: ضائعة في الترجمة”. وقد نشرت مقالاتها في العديد من الصحف والمطبوعات الأمريكية والإسرائيلية، منها: تايمز أوف إسرائيل، جيروزاليم بوست، ينيت، ألجمينر، فيلادلفيا ديلي نيوز، سانت بيترسبرغ تايمز، والمجلة اليهودية في لوس أنجلوس الكبرى.

وتُجري سترنثال مقابلات إذاعية حول تغطية وسائل الإعلام للصراع العربي الإسرائيلي، وتشارك بانتظام في حلقات نقاشية حول الإعلام تستضيفها جامعات ومراكز بحثية في إسرائيل.
حسابها على منصة أكس هو: http://twitter.com/TamarSternthal

للاطلاع على أصل التقرير أنقر هنا.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *