ما لا تخبركم به “واشنطن بوست” عن إلهان عمر وحماس

الصورة من: Lorie Shaull, CC BY-SA 4.0 , عبر ويكيميديا كومنز

كان ونستون تشرشل يقول: “هناك شيء وحيد أكيد في التاريخ، وهو أن الجنس البشري يستعصي عليه التعلم.” إن إلهان عمر، عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي، تثبت مقولة تشرشل هذه. وإنه لمن المؤسف أن تلقى تجاوزات إلهان عمر المتكررة هذه الهالة الإعلامية التي تحظى بها منذ بروزها في المشهد السياسي الأمريكي.

كتبت إلهان عمر، وهي عضو لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب، في 7 يونيو/حزيران 2021: “علينا أن نكون على نفس المستوى من المسؤولية والإنصاف في تعاطينا مع جميع ضحايا الإنسانية، لقد شاهدنا فظائع ارتكبتها الولايات المتحدة وحماس وإسرائيل وأفغانستان وطالبان.” وقد واجهت عمر استنكارات عديدة لمساواتها لديمقراطيات راسخة كالولايات المتحدة وإسرائيل بجماعات إرهابية وفقاً للقانون الأمريكي كحركتي حماس وطالبان.

وقد أحدثت تصريحات عمر وما أثارته من ضجة صدى إعلامي كبير شمل صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية الشهيرة.

وفي 10 يونيو/حزيران 2021، قال مراسلان للصحيفة إن تغريدة إلهان عمر يبدو أنها تساوي عمليات الولايات المتحدة وإسرائيل بما تقوم به حماس وطالبان. ولكن كلمة “يبدو” لا تكفي، لأن المساواة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وحماس وطالبان من جهة ثانية هي عين ما قامت به عمر. وقد لاقت تغريدة عمر تلك وتصريحات أخرى أدلت بها بهذا الخصوص موجة من الاستنكارات في صفوف نواب المجلس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حدٍ سواء، والذين وصفوا تصريحاتها بأنها تكرس آراء مسبقة معادية للسامية، ومن بينها قولها إن أنصار إسرائيل يشجعون على الولاء لدولة أجنبية.

واستذكر مراسل للصحيفة أن عمر كانت قد اضطرت إلى الاعتذار عما صرحت به من أن أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة مدفوعون بالمال، وهو ما حدا برئيسة مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي نانسي بيلوسي لوصف لجوء عمر إلى “الاستعارات المعادية للسامية والاتهامات المتحيزة التي وجهتها إلى أنصار إسرائيل” بأنها جارحة للغاية.

وقامت “كاميرا” بتنبيه كاتبي المقال حول تصريحات إلهان عمر إلى وجود معلومات أخرى هامة عن تاريخ عمر غابت عن تقريرهما، ومنها أنها والنائبة رشيدة طليب من الحزب الديمقراطي هي الأخرى، حاولتا السفر إلى إسرائيل (أو “فلسطين” كما جاء في جدول السفر)، وقد حظي ذلك بتغطية صحفية وافرة شاركت فيها جريدة “واشنطن بوست” كذلك، تغاضت عن معلومة هامة، تتمثل في أن الرحلة كانت مدعومة من جمعية “مفتاح” التي تزعم أن اليهود يشربون دماء المسيحيين في أحد أعيادهم عوضاً عن كونها تمجد الانتحاريين الفلسطينيين. وقد تضمن جدول السفر اجتماعات مع “الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال – فلسطين” والتي لها ارتباطات “بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” الإرهابية و”كتائب أبو علي مصطفى” التابعة للجبهة. وقد امتنعت معظم المنافذ الإعلامية عن الإشارة إلى هذه المعلومات في تقاريرها عن رحلة إلهان عمر ورشيدة طليب، بل إن جريدة “يو إس أيه توداي” رفضت سرد هذه المعلومات حتى في خبر تحديثي لها تعلق بالرحلة.

إن التواصل بين أعضاء لمجلس النواب الأمريكي ومجموعة مرتبطة بمنظمة إرهابية، إضافة إلى جمعية تزعم أن اليهود يشربون دماء المسيحيين لا يمكن اعتباره إلا فضيحة، ولا يعقل التغاضي عنه في الأخبار ذات الصلة.

ومما يؤسف له أن تقارير للصحيفة ذاتها في الفترة الأخيرة كانت هي الأخرى تنقصها معلومات هامة ومنها التقرير المنشور في 11 يونيو/حزيران 2021، تحت عنوان: “حصاد الهجمات الإسرائيلية على غزة وما خلفته من دمار”، تحدثت ضمنه عن “الأضرار الجسيمة” التي ألحقتها الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس. ولكن الصحيفة الأمريكية طمست الحقيقة التي تقف وراء الحرب، وهي أن عملية “حارس الأسوار” تمثل أفضل نموذج لبلد ديمقراطي يدافع عن نفسه بدقة “جراحية” بعد تعرض سكانه المدنيين لإطلاق آلاف القذائف الصاروخية من قبل حماس وغيرها من التنظيمات المدعومة من إيران، والتي فعلت ذلك، وباعترافها، مستخدمة الدروع البشرية، وهي جريمة حرب مزدوجة، علماً بأن ليس ثمة دولة أخرى غير إسرائيل واجهت مثل هذا التهديد. وتكشف نظرة سريعة إلى الخسائر في غزة لو قورنت بحرب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على مجموعة إسلامية إرهابية أخرى تلجأ إلى استخدام الدروع البشرية وهي “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، أن الضربات الإسرائيلية الموجهة إلى قطاع غزة كانت أكثر دقة بكثير.

وقد تغاضت “واشنطن بوست” عن اعتراف القائد “العسكري” لحركة حماس في القطاع يحيى السنوار بأن إستراتيجية حماس تتضمن استخدام الدروع البشرية، مؤثرة القول إن “ما يزيد عن 200 فلسطيني قتلوا من جراء القصف بناءً على تصريحات مسؤولين صحيين في غزة”، والذين أكدوا أن “أكثر من 60 من القتلى كانوا من الأطفال”.

ولكن الصحيفة لا تذكر لقرائها أن “المسؤولين الصحيين في غزة” هم في الواقع أعضاء في حركة حماس التي تسيطر على وزارة الصحة. هل كانت “واشنطن بوست” ستنشر مزاعم مجموعات تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية؟ وقد ثبت أن وزارة الصحة في قطاع غزة قد كذبت فيما مضى بشأن عدد القتلى، ليقينها أنها تستطيع التعويل على صحفيين كسالى يتبنون دعايتها دون فحص وتمحيص. ففي عام 2018 على سبيل المثال، زعمت حماس أن رضيعة فلسطينية بالغة من العمر ثمانية أشهر واسمها ليلى الغندور قد قتلت نتيجة إصابتها بغازات مسيلة للدموع أطلقتها القوات الإسرائيلية خلال عملية منظمة من قبل حماس على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، ولكن تبين في وقتٍ لاحق أن الرضيعة ماتت نتيجة عيب خلقي في القلب، وأن حماس دفعت مبلغاً من المال لعائلتها لتقول إنها ماتت نتيجة تعرضها للغاز. وكان من الواجب أن يدقق كل صحفي مهني في مزاعم “المسؤولين الصحيين في غزة” قبل النشر وإشاعة الأكاذيب.

ففي الوقت الذي كررت فيه مزاعم حماس المتعلقة بمقتل ستين طفلاً، فات “واشنطن بوست” ذكر ما اعتادت عليه حماس منذ فترة طويلة من تجنيد الأطفال في القتال، علماً بأن عدداً من هؤلاء “الأطفال” تم اكتشاف أنهم ينتسبون إلى جماعات إرهابية في القطاع، وأن مركز مئير عميت للمعلومات حول الإستخبارات والإرهاب قد وثق كون ما لا يقل عن ثمانية من أولئك الأطفال الستين قتلوا بفعل انفجار قذائف أطلقتها حماس ولكنها سقطت في القطاع نفسه وليس في إسرائيل. كما أن حماس أعلنت بعد ما يقل عن أسبوع من نشر الصحيفة الأمريكية لتقريرها أنها تفتتح “معسكر صيفي” جديد للأطفال. وقد بينت أشرطة فيديو لمعسكرات سابقة من هذا النوع أن الأطفال المشتركين فيها يتم تدريبهم على استعمال الأسلحة النارية وطعن اليهود بالسكاكين. ولكن “واشنطن بوست” لم تخبر قراءها بهذا النوع من “المعسكرات الصيفية” كما لم تنشر أي شيء عن إعلان عدد من الجماعات الإرهابية العاملة في القطاع الصادر في 14 يونيو/حزيران 2021 عن استئناف إطلاقها للبالونات الحارقة من غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية، وهو نوع من الإرهاب الذي يحرق الحقول والحيوانات البرية في جنوب إسرائيل.

والجدير بالذكر أن استخدام الدروع البشرية وإخفاء الذخائر داخل المدارس والأحياء السكنية يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الذي يعتبره جريمة حرب.

والأدهى من ذلك كله أن ادعاء الصحيفة حول كون الأضرار التي لحقت بالقطاع “غير متناسبة” والذي استند إلى “تحليل أولي” لصور فضائية أظهر الدمار اللاحق بالقطاع، قد تبين لاحقاً أن الصور هي لأراضي زراعية، أو بالأحرى لأكوام من التبن. تقارير “واشنطن بوست” إذن غير موضوعية، حيث تدعم أعداء اليهود في الكونغرس الأمريكي والمنظمات المناهضة لإسرائيل والجماعات الإرهابية التي نذرت نفسها لتدمير الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، والنمط واضح. وعليه فالبحث عن الحقائق فيما يتعلق بإسرائيل ومن يفترون عليها أصبح كالبحث عن إبرة في كومة من التبن.

بقلم: شون درنز

أنظر إلى التقرير الأصلي على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *