وحدة التحقق في “بي بي سي” تروّج مجدداً لمعلومة مضللة حول “500 شاحنة مساعدات إلى غزة”

في 20 مارس، نشر موقع “بي بي سي نيوز” تقريراً مصوَّراً بعنوان: “وحدة التحقق في بي بي سي تتحقق من الضربات الإسرائيلية مع دخول محدود للمساعدات إلى غزة”، وذلك على صفحة “الشرق الأوسط” بالموقع.

شرح الصورة من المترجم: الصورة توضح عرض بي بي سي لهذه القضة الإخبارية وتصدرها صفحتها عبر الويب وعبر البث المباشر الإلكتروني للقناة عبر موقعها أيضا. وتقول القناة في معرض تعليقها: “تقول إسرائيل إنها أعادت فتح الطريق أمام عدد محدود من شاحنات المساعدات للدخول إلى غزة، وذلك بعد أن منعت دخول الإمدادات إلى القطاع طوال الأسابيع الإحدى عشرة الماضية. وقد أجرى فريق وحدة التحقق في بي بي سي تحقيقاً في أحدث الضربات والأوضاع المتعلقة بالمساعدات في غزة، كما يشرح جيك هورتون.”

كما يتضح من الملخص، قدّم التقرير جيك هورتون، وشارك في التحقق كل من بول براون وبنديكت غارمان وشيري رايدر.

ترجمة الصورة:

تقول إسرائيل إنها أعادت فتح المعابر لدخول عدد محدود من شاحنات المساعدات إلى غزة، وذلك بعد أن منعت دخول الإمدادات إلى القطاع طوال الأسابيع الإحدى عشرة الماضية.
وقد أفادت الأمم المتحدة بأنه لم يتم حتى الآن توزيع أي مساعدات من هذه الشاحنات.
ويأتي ذلك في وقت تكثف فيه القوات الإسرائيلية عملياتها، حيث استهدفت الغارات عدة مناطق في القطاع.
وقد قامت وحدة التحقق في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC Verify) بالتحقيق في الغارات الأخيرة والوضع الإنساني المتعلق بالمساعدات في غزة، كما يشرح جيك هورتون.

التحقق: بول براون، بينيديكت غارمان، وشيري رايدر.
الرسوم البيانية: سالي نيكولز.

بدأ هورتون حديثه للمشاهدين بالقول:

هورتون: “لقد منعت إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ أوائل شهر مارس، قائلة إن ذلك من شأنه أن يُشكّل ضغطاً على حماس للإفراج عن الرهائن. كما قالت إسرائيل إن حماس تسرق المساعدات، وهو ما تنفيه حماس.”

واللافت أن هورتون لم يذكر شيئاً لجمهور الـBBC عن الكميات المتزايدة من المساعدات الإنسانية – ومعظمها من المواد الغذائية – التي دخلت إلى قطاع غزة عبر 25,200 شاحنة بين 19 يناير و2 مارس 2025.

ترجمة الصورة:

الشاحنات التي دخلت قطاع غزة خلال صفقة إطلاق الأسرى:
25,200 شاحنة مساعدات تحمل 447,538 طناً
*المساعدات الإنسانية التي دخلت في إطار اتفاقية إطلاق الأسرى بتاريخ 19 مارس 2025.
**4,200  شاحنة مساعدات أسبوعياً وفقاً للاتفاقية.
***الوزن الإجمالي لا يشمل الوقود والغاز، رغم أنهما مدرجان ضمن إجمالي عدد الشاحنات.
****إجمالي عدد الشاحنات يشمل أيضاً عمليات الإنزال الجوي عند المعابر.

كما أن تضخيم هورتون لإنكار حماس سرقة المساعدات لا يأتي كمفاجأة، خصوصاً أن بي بي سي قد تجنبت بشكل متعمد إجراء أي تحقيق صحفي جاد في هذه القضية منذ أواخر عام 2023، وفي الوقت نفسه كانت تنقل وتروّج لنفي حماس.

واصل هورتون بإدلاء تصريح يُظهر أنه بالرغم من عمل ثلاثة أعضاء من فريق “بي بي سي فيري” على هذا التقرير، إلا أن عملية التحقق لم تُجرَ فعلياً.

هورتون: “وفقاً للأمم المتحدة، كان نحو 500 شاحنة تدخل قطاع غزة يومياً قبل الحرب. في يوم الاثنين (المشار إليه في وقت نشر التقرير)، دخلت خمس شاحنات مساعدات فقط حسب التقارير الرسمية. وقالت الأمم المتحدة إن هذا لا يمثل إلا نقطة في محيط ما هو مطلوب بشكل عاجل، محذرة من خطر المجاعة الواسعة.” (تم اضافة التأكيد)

وكما ذُكر هنا قبل أكثر من عام عندما نشرت بي بي سي تقريراً تمهيدياً يروّج لسردية مماثلة عن مجاعة وشيكة:

“كما أوضح جهاز التنسيق الإسرائيلي كوغات (ودعمتها بيانات الأمم المتحدة)، فإن متوسط عدد الشاحنات التي كانت تدخل قطاع غزة قبل 7 أكتوبر لم يكن يحمل منها سوى 70 شاحنة يومياً مواد غذائية فقط من أصل 500 شاحنة.”

ترجمة الصورة:

منذ بداية مارس، دخل قطاع غزة يومياً متوسط 126 شاحنة غذائية، بزيادة تبلغ 80% مقارنة بما كان عليه الحال قبل 7 أكتوبر.
قبل 7 أكتوبر، كان يدخل غزة يومياً 500 شاحنة تحمل مواد بناء وزراعة وصناعية، وكان متوسط الشاحنات التي تحمل مواد غذائية منها فقط 70 شاحنة.

قبل السابع من أكتوبر… كان يدخل في المتوسط ٧٠ شاحنة طعام إلى قطاع غزة.
في المتوسط تدخل ١٢٦ شاحنة طعام إلى قطاع غزة

لا يوجد حد لكمية الغذاء والمساعدات الإنسانية التي يمكن إدخالها إلى قطاع غزة.

للقراءة الإضافية: تقرير تمهيدي لبي بي سي يضلل حول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.

بالطبع، بول براون، بنديكت غارمان، وشيري رايدر ليسوا الموظفين الوحيدين في بي بي سي الذين يبدو أنهم يعتقدون أنه لا حاجة للتحقق من صحة الادعاءات التي تصدر عن الأمم المتحدة. ومن الأمثلة الإضافية على هذه المعلومات المضللة التي تشير إلى دخول 500 شاحنة غذائية يومياً إلى قطاع غزة قبل الحرب، والتي ظهرت خلال الأيام الأخيرة، ما يلي:

الأمم المتحدة: 90 حمولة شاحنات مساعدات الآن في غزة بعد تأخير ثلاثة أيام عند المعبر“، ديفيد جريتِن، 22/5/2025:

“قالت السلطات الإسرائيلية إنها سمحت بدخول 100 حمولة شاحنات إضافية عبر معبر كرم شالوم يوم الأربعاء. ومع ذلك، قالت الأمم المتحدة إن ذلك “لا يكفي بأي حال لتلبية الاحتياجات الهائلة في غزة”.
وأضافت الأمم المتحدة أن حوالي 500 شاحنة كانت تدخل القطاع يومياً في المتوسط قبل الحرب”.
وحذرت المنظمات الإنسانية من مستويات حادة من الجوع بين 2.1 مليون نسمة في القطاع، وسط نقص كبير في المواد الغذائية الأساسية وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق.”

صفحة البث المباشر، 23/5/2025:

ترجمة العنوان في الصورة:

الأمم المتحدة: حاجة غزة اليومية لا تقل عن 600 شاحنة مساعدات

ترجمة الكلام الموجود في الدائرة:

قبل اندلاع الحرب، كانت تدخل إلى قطاع غزة نحو 500 شاحنة يومياً، تحمل مواد غذائية وأدوية وأغذية للأطفال ومعدات طبية. ومع بداية الحرب، تراجع هذا العدد بشكل حاد، مما فاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع بشكل غير مسبوق.

الدائرة الثانية توضح أيضا ما يلي:

تشير التقديرات الأممية إلى أن المعدل السابق للحرب كان حوالي 500 شاحنة يومياً، معظمها واردات تجارية، وليس فقط مساعدات إنسانية، وهو ما يعكس اعتماد سكان القطاع الكبير على هذه الإمدادات الحيوية.

 عنوان اللوحة:

رئيس وكالة اللاجئين الأممية: “شعب غزة لا يمكنه الانتظار أكثر”

تقول اللوحة البيانية التالي:

الشاحنات التي دخلت غزة خلال أول 15 شهراً من الحرب
أن المعدل اليومي قبل اندلاع الحرب كان نحو 500 شاحنة يومياً، معظمها واردات تجارية، وهو ما كان يُسهم في تأمين الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع.

في الواقع، كانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تروج لهذه المعلومات المضللة منذ أكتوبر 2023، على سبيل المثال:

  • “قالت عبير عتيفة من برنامج الأغذية العالمي إن الوضع في القطاع أصبح ׳صعباً جداً׳”.
  • “المواد الغذائية ومياه الشرب بدأت تنفد، والعديد من المخابز توقفت عن العمل”.
  • قال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لبي بي سي إن نحو 500 شاحنة كانت تدخل قطاع غزة يومياً قبل اندلاع الحرب، وكان حوالي 1.2 مليون شخص يعيشون في القطاع يعتمدون على مساعدات غذائية من الأونروا قبل 7 أكتوبر. [المصدر، 19/10/2023]
  • وفي يوم السبت، عبرت 20 شاحنة مساعدات من مصر لأول مرة خلال أسبوعين.

لكن الناشطين وصفوا المساعدات التي دخلت عبر معبر رفح بأنها “قطرة في محيط” الاحتياجات.

وقال متحدث باسم منظمة “أكشن إيد فلسطين” إن حوالي 500 شاحنة مساعدات كانت تدخل غزة يومياً قبل الحرب. [المصدر، 22/10/2023]

علاوة على ذلك، روجت وحدة التحقق في بي بي سي لهذه المعلومات المضللة سابقاً في تقرير صدر في يناير 2025 بعنوان “كيف دمرت 15 شهراً من الحرب قطاع غزة“:

ترجمة اللوحة:

الأمم المتحدة: انخفاض حاد في المساعدات الإنسانية لغزة

شهدت الأشهر الأخيرة تراجعاً كبيراً في حجم المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة، وفقاً لإحصائيات جمعتها الأمم المتحدة.
فقبل اندلاع النزاع، كان يصل إلى غزة ما معدله 500 شاحنة يومياً خلال أيام العمل، محمّلة بالمساعدات الإنسانية.

وتشير الدائرة في اللوحة إلى أن:
“المعدل السابق للحرب كان 500 شاحنة يومياً – معظمها واردات تجارية”،
وهو ما يسلّط الضوء على حجم الفجوة الهائلة بين الوضع قبل الحرب والوضع الراهن، في وقت تُحذّر فيه الجهات الإنسانية من تفاقم الأزمة المعيشية في القطاع.

بينما من السهل بلا شك على الأمم المتحدة والوكالات ذات الصلة استخدام ادعاء “500 شاحنة يومياً” دون توضيح أن حوالي 70 منها فقط كانت تحمل مواد غذائية، فإن ذلك لا يعفي هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) من إعادة ترويج هذا الادعاء بشكل متكرر في جهودها المستمرة لتعزيز سردية المجاعة، خصوصاً من قبل قسم يفترض أنه مكرّس للتحقق من الحقائق ومكافحة المعلومات المضللة.

يواصل هورتون إبلاغ جمهور بي بي سي قائلاً:

هورتون: “في الأسبوع الماضي، أبلغت وزارة الصحة التي تديرها حماس عن وفاة 57 طفلاً نتيجة آثار سوء التغذية منذ بداية مارس.”

غير أن هورتون لم يخبر المشاهدين ما إذا كانت وحدة التحقق في بي بي سي  قد تحققت من هذا الادعاء، وإذا كان الأمر كذلك، كيف تم ذلك، قبل إعادة نشره. حيث أن “الأسبوع الماضي” يقع بين 11 و17 مايو (شاملاً). في 13 مايو، أبلغت منظمة الصحة العالمية عن نفس الادعاء المنقول عن حماس:

“منذ بدء الحصار على المساعدات في 2 مارس، توفي 57 طفلاً نتيجة آثار سوء التغذية، حسب وزارة الصحة.”

ومع ذلك، فقد كانت عدة مصادر فلسطينية (وأخرى) قد أبلغت قبل أكثر من أسبوع بأن الرقم نفسه يعود لفترة منذ 7 أكتوبر 2023 وليس فقط للأطفال، واستشهدت بمصدر مختلف، مثل:

“قال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة في بيان إن عدد ضحايا الجوع وسوء التغذية الحاد ارتفع إلى 57 منذ بداية الحرب، الغالبية العظمى منهم أطفال، بالإضافة إلى مرضى وكبار السن.” [المصدر]

“كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن عدد الوفيات في القطاع بسبب سياسة الجوع منذ بداية الحرب الإسرائيلية الإبادة على غزة في 7 أكتوبر 2023، ارتفع إلى 57، الغالبية العظمى منهم أطفال، بمن فيهم المرضى وكبار السن.” [المصدر]

وفي 21 مايو، ذكرت شبكة CNN: “قالت وزارة الصحة في غزة إن 57 طفلاً على الأقل توفوا نتيجة آثار سوء التغذية منذ بداية الحرب” [التأكيد مضاف]، وفي 5 مايو نشرت وزارة الصحة التي تديرها حماس على فيسبوك منشوراً جاء فيه أن “عدد الوفيات بين الأطفال بسبب سوء التغذية والمضاعفات الصحية ارتفع إلى 57 طفلاً”، دون تحديد أن الرقم متعلق بفترة منذ بداية مارس.

من الواضح وجود لبس بشأن الرقم الذي نقلته وروجت له  وحدة التحقق في بي بي سي، لكن هورتون لم يُطلع مشاهديه على ما إذا كان زملاؤه قد تحققوا منه، أو كيف تحققوا منه، أو للفترة الزمنية التي يعود إليها، أو ما إذا كان المتوفون يعانون من أمراض أخرى ذات صلة.

كما نرى، في أول 36 ثانية من هذا التقرير الذي يستغرق دقيقة و45 ثانية، عززت وحدة التحقق في بي بي سي من  سردية المجاعة في قطاع غزة من خلال محو السياق ذي الصلة بشأن الإمدادات الغذائية التي تم تكثيفها سابقاً، وتجاهل قضية سرقة حماس للمساعدات، والترويج لمعلومات مضللة عن كمية الإمدادات الغذائية قبل الحرب، واقتباس أرقام وفيات غير واضحة المصدر مقدمة من نفس المنظمة الإرهابية التي بدأت الصراع، دون أي دليل على وجود تحقق من الحقائق.

للاطلاع على نص التقرير الأصلي باللغة الإنجليزية أنقر هنا.

كتبت: هدار سيلع

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *