نشر موقع “إندبندنت عربية”، النسخة العربية لصحيفة Independent البريطانية المعروفة، يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2019 تقريرًا بقلم مراسل الموقع في الضفة الغربية خليل موسى الذي قابل القيادي الفتحاوي اليهودي الأصل أوري ديفيس. غير أن التقرير اتّسم للأسف بالتحيّز والتسييس السافر بعيدًا عن عرض صحفي نزيه لشخصية سياسية مثيرة للاهتمام.
المشكلة الرئيسية التي رصدها فريق “كاميرا العربية”، لدى مراجعته التقرير، تتمثل بالمصطلحات المغرضة أو المضللة التي تبناها كاتبه. إذا بدأنا بعنوان التقرير “قيادي فتحاوي من أصل يهودي يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية“، فإن العنوان يكوّن لدى القارئ الانطباع بأن الحديث يدور عن إقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967، غير أن التقرير نفسه يوضح فيما بعد، وفق الاستشهاد بأقوال أوري ديفيس، أن الأمر يتعلق حقيقة بـ”دولة فلسطينية فيدرالية تحت سيادة فلسطينية من النهر إلى البحر بولايتين يهودية وعربية والقدس منطقة خاصة بإدارة الأمم المتحدة“. ويعني ذلك أن ديفيس (الذي كان صريحًا في أقواله، حيث يعود سوء الفهم الناتج عن العنوان إلى مشكلة تحريرية!) لا يؤيد حل الدولتيْن للشعبيْن، وهو الحل المقبول على المجتمع الدولي، بل حلاً يقوم على إلغاء دولة إسرائيل ككيان سياسي سيادي.
ننوّه أيضًا إلى أن التقرير، عند استعراضه لبعض المحطات في سيرة حياة أوري ديفيس، يتحدث عن قرى وبلدات يهودية في إسرائيل بحدودها المعترف بها دوليًا (أي قبل حرب 1967)، “مستوطنات” أو “مستعمرات“، وهي مصطلحات تستهدف إفقاد التجمعات السكنية اليهودية تلك أي شرعية، مع العلم أن هذه المصطلحات مستخدمة عادةً بالنسبة للتجمعات السكنية اليهودية الواقعة في الضفة الغربية والتي ترفض معظم دول العالم حقيقةً الاعتراف بشرعيتها.
كما أن الكاتب (خليل موسى) ضمَّن تقريره آراءه الشخصية مرة أخرى عندما وصف كفاح ديفيس في ستينيات القرن الماضي ضد مشروع إسرائيلي لمصادرة أراضي عدة قرى عربية في الجليل، حيث قال إن “لنحو عام، أقام أوري في دير الأسد وواصل حملته مع قلة من أصل يهودي ضميرهم بقي حياً في إسرائيل..”. ترى، هل “ماتت” ضمائر غالبية الإسرائيليين في تلك الفترة وفق هذه الصياغة المغرضة؟
في السياق ذاته، وردت في التقرير الجملة الآتية: “عملت الشركة [التي أسسها ديفيس] على تنظيم رحلات للبريطانيين إلى القرى الفلسطينية المهجرة لفضح المشروع الصهيوني، وإظهار كيف أقيمت المدن والقرى الإسرائيلية على أنقاض القرى والبلدات الفلسطينية“. هنا أيضًا يبدو أن الكاتب ينساق وراء المصطلحات التي يعتمدها على الأرجح ديفيس نفسه بالنسبة للقضية الإسرائيلية الفلسطينية، لكن هذا الأمر لا يتوافق مع أصول الحيادية الصحفية.
غير أن الأخطاء الواردة في التقرير ليست تحريرية فحسب بل تتعداها وصولاً إلى تشويه الحقائق التاريخية ذاتها. إذ ادّعى الكاتب موسى بأن أوري ديفيس “نشأ في مستعمرة كفر شمارياها المبنية على أراضي القرية الفلسطينية المهجرة قسرياً في نكبة 1948 “. أما الحقيقة فهي أن هذه القرية تأسست أصلاً عام 1937، وعليه فمن المحال أن تكون أسرة أوري ديفيس قد أقامت منزلها على أرض فلسطينية هُجّر سكانها فيما بعد.. ويشار إلى أن ديفيس يروي في سيرة حياته أن والده اشترى قطعة الأرض في كفار شمارياهو عام 1939 وأنجز بناء المنزل عام 1943.
كما أن استشهاد موسى بتصريح صادر عن أوري ديفيس عام 1984 – “إسرائيل دولة فصل عنصري يجب تفكيك نظامها وإقامة دولة ديمقراطية للجميع بحقوق متساوية على نمط جنوب أفريقيا” – يدعو إلى الاستغراب، ذلك لأن جنوب إفريقيا في ذلك الأوان كانت لا تزال دولة أبارتهايد بالفعل ولم تصبح بعد دولة ديمقراطية كما هو الحال الآن.
ختامًا، فقد استرعى انتباه فريقنا قرار خليل موسى ومحرري “إندبندنت عربية” اختيار الجملة الآتية “أوري ديفيس اعتنق الإسلام واعتقل مرات عدة بسبب مناهضته للصهيونية” عنوانًا فرعيًا للتقرير عنه. نرجو التساؤل: ما مردّ أهمية حقيقة اعتناق ديفيس الإسلام (بسبب زواجه) في تقرير يتابع سيرته السياسية ومواقفه المناهضة للصهيونية؟ إنها بالفعل لغز..
أنظر تقرير مرصد الإعلام البريطاني التابع لمؤسسة (كاميرا) حول القضية ذاتها