في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية تطبيعًا علنيًا، هنالك في بعض الأحيان ميل طبيعي لتأكيد رغبة شرائح واسعة من شعوب الدول العربية في دعم أجواء السلام والتراجع عن عدائها السافر السابق لإسرائيل. غير أن هذا الميل لا يجوز أن يؤدي بوسائل الإعلام المؤيدة للتطبيع مع إسرائيل، مهما خلصت نواياها، إلى الانحراف عن بوصلة الحقائق. وهنا يأتي دورنا، فريق “كاميرا عربية”، في لفت النظر إلى ضرورة الالتزام بهذه الحقائق، خاصة إذا جاءت بصورة بيانات إحصائية دقيقة غير قابلة للتأويل، بغض النظر عن تداعياتها السياسية.
إذ نشر موقع “سكاي نيوز عربية”، النسخة العربية المملوك جزء منها إماراتيًا لشبكة “سكاي” البريطانية ذائعة الصيت، يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 2020 تقريرًا تضمن بعض المعطيات الواردة في استطلاع شامل للرأي العام في بعض الدول العربية، كان قد أجراه معهد زغبي الأميركي، حول مدى تأييد مواطني هذه الدول للسلام مع إسرائيل. كما يُستدل من عنوان التقرير (أنظر الصورة أدناه)، فإن التقرير أبرز دعم “أغلب المواطنين العرب” للسلام.
غير أن هذا العنوان يعكس، للأسف، تفاؤلاً مفرطًا من قبل محرري “سكاي نيوز عربية” لا تسانده الأرقام الواردة أصلاً في الاستطلاع المذكور. إذ استشهد الموقع بصورة دقيقة المعطيات الخاصة بدعم غالبية الإماراتيين (56%) لفكرة إرساء التطبيع مع إسرائيل حتى قبل حل القضية الفلسطينية، مقابل تأييد شريحة لا يُستهان بها، وإن كانت أقلية، من الفلسطينيين لهذه الفكرة (31%)؛ لكن الموقع أخطأ في تحديد النسبة الصحيحة من المواطنين السعوديين والمصريين والأردنيين الراغبين في التطبيع مع إسرائيل بمعزل عن القضية الفلسطينية، قائلاً إن هذه النسبة تبلغ 58% في مصر و59% بالمئة في كل من السعودية والأردن. ويبدو أن الأمور اختلطت على محرري “سكاي نيوز عربية”، حيث تبلغ نسبة تأييد المصريين للسلام مع إسرائيل بغض النظر عن القضية الفلسطينية إلى 42% فيما لا تتجاوز نسبة السعوديين والأردنيين الذين يحبّذون الأمر 41% (أنظر الصورة أدناه).
ويشار إلى أن هذا الخطأ قد يعود إلى ردود المستطلعة آراؤهم على أسئلة أخرى وردت في استطلاع معهد زغبي، لم يتطرق إليها تقرير “سكاي نيوز عربية” رغم كونها إيجابية بنظر مؤيدي المسار التفاوضي بين إسرائيل والفلسطينيين. إذ أبدت غالبية من المصريين (54%) والسعوديين (58%) والإماراتيين (68%)، مقابل نصف الأردنيين تقريبًا (49%) وشريحة ضيقة نسبيًا من الفلسطينيين أنفسهم (18%)، تأييدها الكبير أو الجزئي لخطة “السلام المؤدي إلى الازدهار” التي طرحتها الإدارة الأميركية الحالية (خطة ترامب). كما أظهر الاستطلاع المنوَّه به تأييدًا عربيًا واسعًا لمبادرة السلام العربية المطروحة أصلاً عام 2002، مع العلم أن هذه المبادرة تشترط السلام المقترن بالتطبيع الكامل مع إسرائيل بانسحابها من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967.
على كلٍ، فقد راجع فريق “كاميرا عربية”، بعد رصده الخطأ المذكور، هيئة التحرير لموقع “سكاي نيوز عربية” بطلب تصحيح التقرير المذكور. واستجاب الموقع لهذا الطلب وعدل عنوان التقرير يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2020 ليصبح كالآتي “استطلاع حول العلاقات مع إسرائيل”. كما تم تعديل البيانات الإحصائية المفصلة الواردة في التقرير تمشيًا مع نتائج الاستطلاع.
في سياق ذي صلة، راجعت مؤسسة “كاميرا” عدد آخر من وسائل الإعلام الإسرائيلية واليهودية (أبرزها صحيفة “إسرائيل اليوم”) التي كانت قد سارعت إلى الاقتباس من المعطيات الخاطئة الواردة أصلاً في تقرير “سكاي نيوز عربية”، بطلب تصحيحها كما يلزم، حيث استجاب معظمها لهذا الطلب.
أنظر التقرير المنشور باللغة الإنجليزية بهذا الخصوص على موقع مؤسسة “كاميرا”