“سكاي نيوز عربية” تعتمد رواية أحادية الجانب بشأن مأساة الحالات المرضية في قطاع غزة

إتهم مراسل قناة “سكاي نيوز عربية” في غزة محمد مشهراوي إسرائيل بمنع المرضى في غزة من تلقي العلاج الطبي خارج القطاع، وفق تقرير مصوَّر له تم نشره على موقع القناة يوم 29 يونيو/حزيران 2020. غير أن التقرير، الذي يسلط الضوء خصيصًا على معاناة عدد من الأطفال الغزيين المصابين بالأمراض الخطيرة (وتحديدًا الطفلة ميرا الفجم البالغة 4 سنوات المهددة بفقد بصرها، والرضيع عمر ياغي الذي توفي عن عمر يناهز 9 أشهر قبل أيام من وصول موعد تحويله إلى مستشفى في إسرائيل لإجراء عملية جراحية)، يعتمد موقفًا أحاديًا يحمّل إسرائيل حصرًا المسؤولية عن هذه الحالات بصورة لا تتماشى مع حقائق الأمور ومبادئ الصحافة النزيهة.

صحيح أن تقرير “سكاي نيوز عربية” لم يتجاهل تمامًا مسؤولية جهات أخرى عن التأخيرات الحاصلة في منح الحالات المرضية الغزية التصاريح اللازمة لتحويلها للعلاج في مستشفيات خارجية. إذ أشار التقرير إلى أن قرار السلطة الفلسطينية تجميد التنسيق مع إسرائيل كان له الدور في نشوء الحالة المأساوية الراهنة، غير أن هذه الإشارة جاءت عفوية مقترنة بالادّعاء بأن إسرائيل تستخدم قرار السلطة الفلسطينية الآنف الذكر ذريعة لرفض طلبات المرضى في غزة السماح لهم بالخروج منها لتلقي العلاجات اللازمة (في الوقت الذي تعجز فيه المستشفيات في غزة نفسها عن تقديم هذه العلاجات، الأمر الذي عزاه التقرير- بصورة قابلة للتساؤل أيضًا- إلى “الحصار الإسرائيلي الخانق” المفروض على القطاع).

لا يستطيع أي إنسان ذي قلب نابض إلا التعاطف عميقًا مع أقوال والدة الطفلة الصغيرة ميرا المذكورة أعلاه، حينما أكدت أمام عدسة المراسل مشهراوي أن ابنتها تطالب بحقها في العلاج. كما أن والدة الطفلة نفسها تعي، على ما يبدو، أن السلطة الفلسطينية (بالأحرى هيئة الشؤون المدنية التابعة لها) هي العنوان الحقيقي لتوجيه الشكاوى إليه كونها قد اتخذت القرار الخاص بوقف التنسيق مع إسرائيل، ذلك القرار الذي يدفع مرضى غزة ثمنه مباشرة، حيث صرحت الوالدة: “متى بدهم يطلّعوا التنسيق؟ متى بدهم يدوّروا على بنتي؟ لما تتوفى؟”

أما والد الطفل المتوفي عمر، فقال في سياق التقرير إن المنفذ الوحيد للخروج من القطاع هو معبر إيرز (على الحدود بين إسرائيل وشمال القطاع قرب بلدة بيت حانون) منوهًا إلى أن “الاحتلال” (إسرائيل) هو المسؤول الوحيد عنه. لكن المصداقية كانت تحتّم على مراسل “سكاي نيوز عربية”، بالرغم من التعاطف العميق مع كلام الوالد الذي فقد رضيعه، الإشارة إلى وجود منفذ آخر يستطيع الغزيون الخروج عبره، ألا وهو معبر رفح مع مصر على الحدود الجنوبية للقطاع والذي يصلح أيضًا لنقل الحالات المرضية. ويبدو أن حذف هذه الحقيقة في التقرير لم يأتِ صدفةً بل استمرارًا لمسعى إعلامي متواصل لإخفائها كونها تتناقض مع الخطاب السائد الذي يتهم إسرائيل بفرض “الحصار الخانق” على غزة، مع التغاضي عن الدور المصري على هذا الصعيد. ولا يجوز أيضًا تناسي دور حركة حماس، الحاكم الفعلي لقطاع غزة، إذ يبدو أنها تتنصل من مسؤولياتها عن أوضاع المدنيين الغزيين عامة والمرضى منهم على وجه الخصوص. وجدير بالذكر أن رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية كان قد صرح خلال زيارته لموسكو في شهر مارس/آذار 2020 بأن معبر رفح يعمل بشكل يومي منذ عامين.

لقطة من تقرير “سكاي نيوز عربية” (نقلاً عن الموقع الإلكتروني للقناة)

أما الجزء الأخير من تقرير “سكاي نيوز عربية” فشمل مقابلة مع عصام يونس مدير مركز “الميزان” لحقوق الإنسان الذي قال إن “دولة الاحتلال”، بغض النظر عن كل التطورات السياسية (وجود أو عدم وجود التنسيق الأمني [بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية]، والإنفصال الإسرائيلي عن قطاع غزة)، مسؤولة بمقتضى القانون عن ضمان رفاهية السكان المدنيين في غزة. غير أنه يجب التأكيد مجددًا أن هذه النظرة تخالف الواقع، وكان على المراسل مشهراوي، إنصافًا للحقيقة، أن يذكر أن إسرائيل لا “ترفض” طلبات واردة من المرضى في غزة للسماح لهم بالخروج منها بل إنها، بكل بساطة، لا تتسلم هذه الطلبات العالقة لدى السلطة الفلسطينية منذ قرارها تجميد التنسيق بين الجانبين.

خلاصة القول: إن تقرير “سكاي نيوز عربية” يصب في خدمة خطاب سياسي أحادي الجانب يسعى لإتهام إسرائيل وحدها بالمسؤولية عن مأساة المرضى في غزة ويتجاهل عمدًا المشهد بكل تعقيداته السياسية. وعليه، وحتى ولو كنا نقبل الإدعاء بأن هناك مماطلة إسرائيلية في التعامل مع بعض الحالات المرضية في غزة، فلا يمكن تجاهل الدور الذي تضطلع به أطراف أخرى (السلطة الفلسطينية وحماس وربما مصر) في هذه المأساة. هل تستطيع “سكاي نيوز عربية” الإرتقاء بمستواها وتجاوز التسييس لتقاريرها لتعكس صورة الأوضاع الحقيقية؟!

أنظر أيضًا إلى التقرير باللغة الإنجليزية حول القضية ذاتها على موقع CAMERA UK

Research and writing by CAMERA Arabic. Edited by CAMERA UK

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *