“إندبندنت عربية” تصوّر مجددًا المدنييْن الإسرائيلييْن المحتجزيْن منذ سنوات في قطاع غزة على أنهما جنديان… أين الحقيقة؟

إن ملفّ الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة لا يزال قضية شائكة عالقة بين الأطراف المعنية منذ سنوات. غير أن فريق “كاميرا عربية” يهتمّ بالطبع بمتابعة كيفية تعامل وسائل الإعلام الغربية الصادرة بالعربية مع هذه المسألة وغيرها بصورة موضوعية (على الأقل فيما يخصّ الحقائق الأساسية) بغض النظر عن الآراء والمواقف العقائدية. لشديد الأسف لاحظنا مؤخرًا، وليس للمرة الأولى، أن بعض المؤسسات الإعلامية المذكورة تعيد ارتكاب الأخطاء المهنية في هذا الشأن.

ما أثار انتباهنا هذه المرة هو التقرير الذي نشره مراسل موقع “إندبندنت عربية” في قطاع غزة عز الدين أبو عيشة يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2020 بعنوان: “مقترحات إسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى مع حماس.” وتضمن التقرير الفقرة التالية:

في الواقع، لدى الحركة أربعة جنود إسرائيليين أسرى وهم، هدار جولدن، وآرون شاؤول، وأبراهم منغستو، وهشام السيد، ووفقاً لرواية تل أبيب ومنظمة العفو الدولية، فإن جولدن وشاؤول قتلا العام 2014 في العملية العسكرية على غزّة، في حين أن حماس لم تفصح عن أيّ معلومات عنهما، لكنها أشارت في أكثر من مرة إلى أنهما على قيد الحياة، والآخرين دخلا غزّة بمحض إرادتهما بعد العام 2014، في وقتين مختلفين، ووقعا في الأسر.

نرجو الإشارة أولاًَ إلى أن قرار مراسل “إندبندنت عربية” طرح الرواية الإسرائيلية حول مقتل الجندييْن جولدن وشاؤول خلال الحرب الأخيرة في غزة عام 2014 (ما يعني أن حماس تحتجز جثتيْهما بخلاف تلميحاتها الدعائية إلى أنهما ما زالا على قيد الحياة) يمثل تحسنًا بالمقارنة مع تجاهله هذه الرواية في تقرير سابق له كان قد تناول القضية ذاتها.

غير أنه يستحيل القبول بوصف التقرير للمدنييْن الإسرائيلييْن الآخريْن المحتجزيْن لدى حماس، أبراهام (أفيرا) منغيستو وهشام السيد، على أنهما جنديان أيضًا. أما الأدلة على بطلان هذه “الحقيقة” فهي عديدة ويمكن الوصول إليها بسهولة من خلال عملية بحث سريعة في رحاب شبكة الإنترنت. وتؤكد الوثائق الرسمية (أنظر أدناه) أن منغيستو لم يتم تجنيده على الإطلاق بل تم إعفاؤه من الخدمة العسكرية بسبب حالته الصحية. أما الشاب البدوي ابن قرية حورة في النقب هشام السيد فكان قد أدى خدمة عسكرية قصيرة للغاية دامت 3 أشهر عام 2008 قبل أن يكون قد تم إعفاؤه منها أيضًا على الخلفية ذاتها (مع العلم أن فترة الخدمة العسكرية الإلزامية، التي تسري أيضًا في الغالب على الجنود المتطوعين من أمثال هشام السيد، تستغرق 3 سنوات). على أي حال، كانت تلك الفترة القصيرة من الخدمة العسكرية قد سبقت بأكثر من 6 سنوات موعد دخول هشام السيد أراضي قطاع غزة، ما ينفي عنه صفة “الجندي” تحت أي منطق.

صورة رسمية تؤكد إعفاء أبراهام منغيستو من أداء الخدمة في الجيش الإسرائيلي

صورة رسمية تؤكد تسريح هشام السيد من الخدمة العسكرية بسبب عدم أهليته لها وعدم اعتباره في عداد قوات الاحتياط أيضًا.

وبالتالي القضية غاية من البساطة، حيث هناك شواهد كثيرة على أن كلا المدنيين، منغيستو والسيد، كانا قد دخلا قطاع غزة بسبب حالة الشرود الذهني والاضطراب النفسي التي كانا يعانيانها، الأمر الذي كان يحتّم على حماس، تمشيًا مع كافة المواثيق والأعراف الدولية المتعلقة بالمدنيين الأبرياء، إعادتهما فورًا إلى إسرائيل، لكنها قررت احتجازهما لمجرد استخدامهما ورقة مساومة مع إسرائيل.

نشير هنا إلى أن أحد أقطاب حماس في غزة، د. محمود الزهار، عندما واجهه ممثل عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان بهذا الأمر، تحجّج بذريعة مفادها أنه لا يوجد أي مدنيين في إسرائيل لأن جميع مواطنيها يؤدون الخدمة العسكرية، مضيفًا أيضًا أن جميع الإسرائيليين الذين يدخلون أراضي غزة ليسوا إلا جواسيس.

لكن حتى لو كان من الممكن – بصعوبة – تفهّم موقف الزهار باعتباره طرفًا مباشرًا في القضية، فإنه لا يجوز لمراسل صحيفة بريطانية معتبرة مثل “إندبندنت عربية” الانسياق وراء هذه الأباطيل بما يتناقض تمامًا مع أصول الصحافة المهنية.

أنظر إلى التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع “CAMERA UK” التابع لمؤسسة “كاميرا”.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *