تقرير حماس عن وفاة صبي من غزة يضع الإعلام على محكّ الحقيقة

لم تمضِ إلا فترة قصيرة بعد الإعلان عن مقتل الصبي شادي عبد العال (11 أو 12 عامًا بحسب تقارير صحفية مختلفة) في مواجهات جرت على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة يوم 14 سبتمبر/أيلول 2018، ضمن ما يُعرف بفعاليات مسيرة العودة، حتى وُضعت علامات استفهام على صحة الرواية التي ساقتها وزارة الصحة في غزة، الخاضعة تمامًا لسيطرة حماس، حول حقيقة ما جرى. غير أن ما يلفت نظر أي متابع محايد لأداء وسائل الإعلام غير العربية، استنادًا إلى كيفية تغطيتها لهذا الحدث بالذات، هو التناقضات الواضحة التي برزت بين بعض هذه الوسائل التي تحدَّت بالفعل تقرير وزارة الصحة في غزة وبين بعضها الآخر التي أبدت تقصيرًا واضحًا بهذا الخصوص.

وازدادت القضية غموضًا عندما قامت حماس نفسها، في موعد لاحق، بنشر معلومات جديدة بَدَت غير متّسقة مع روايتها السابقة حول مقتل الصبي عبد العال. عندها، وبعد تواصل فريق (كاميرا) معها، وافقت وكالة رويتر للأنباء على تعديل صيغتها السابقة مشيرةً إلى تراجع حماس عن ادّعائها بأن الصبي عبد العال “قُتل بنيران القوات الإسرائيلية”، إلا أن وكالة الأنباء الفرنسية- بالمقابل- ظلت متمسكة بهذه الرواية المشكوك أصلاً في صحتها.

تجدر الإشارة إلى أن التساؤلات حول الظروف المحيطة بمقتل الصبي عبد العال ثارت بُعيد نشر الخبر. إذ سارع الجيش الإسرائيلي بدوره، على لسان المتحدث باسمه إلى وسائل الإعلام العربية أفيحاي أدرعي، إلى تفنيد رواية وزارة الصحة التابعة لحماس قائلاً، في تغريدة له على موقع تويتر، إن هناك مؤشرات وشهادات تؤكد أن الصبي قُتل من جراء إصابته بحجارة ألقيت من الجانب الفلسطيني للحدود خلال أعمال الشغب العنيفة التي وقعت عناك.

وكانت وكالة أسوشييتد برس الأميركية السبّاقة إلى الكشف عن الشكوك التي تكتنف ظروف مقتل الصبي. ورغم نشرها بدايةً رواية وزارة الصحة في غزة، تحت عنوان جاء فيه أن “جنودًا إسرائيليين قتلوا 3 فلسطينيين بمن فيهم صبي في غزة“، إلا أن الوكالة بادرت بنفسها في اليوم التالي (15 سبتمبر/أيلول) إلى إصدار تقرير جديد بعنوان “تقارير متناقضة حول مقتل صبي من غزة خلال الاحتجاجات“. ومما جاء في التقرير أن المتحدث باسم وزارة الصحة الخاضعة لحماس في غزة قال إن الصبي عبد العال قُتل نتيجة إصابته بجروح في رأسه من دون تقديم المزيد من الإيضاحات. كما تضمن تقرير أسوشييد برس حول القضية الرواية الإسرائيلية المشار إليها أعلاه.

أما وكالة رويتر فقد تبنَّت هي الأخرى في البداية رواية حماس حول ملابسات مقتل الصبي قائلة في عنوان تقريرها: “مسعف: جنود إسرائيليون يقتلون صبيًا ورجليْن أثناء احتجاجات في غزة“. وجاء في التقرير أن رويتر راجعت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي بطلب الحصول على تعقيب منها لكنها اكتفت بالقول إن الجنود الإسرائيليين يتصرفون حسب الأوامر الصادرة إليهم. وتجاهل تقرير رويتر أيضًا التغريدة المنوَّه بها للمتحدث العسكري الإسرائيلي أدرعي التي شككت، كما سبق ذكره، في صحة الرواية الفلسطينية. عندها تدخل فريق (كاميرا) وراجع هيئة التحرير لرويتر بالأمر مقدمًا إليه كشهادة ما أوردته وكالة أسوشييتد برس حول تناقض الروايات الخاصة بمقتل الصبي عبد العال، بالإضافة إلى تقرير آخر لصحيفة “هأرتس” الإسرائيلية بنسختها الإنجليزية تحت عنوان “وزارة الصحة في غزة تتراجع: الصبي الفلسطيني ربما لم يُقتل بنيران إسرائيلية“.

وتجاوبت هيئة تحرير رويتر مع مراجعة (كاميرا) ونشرت تعديلاً لصيغتها السابقة جاء فيه ما يلي:

“ملاحظة من المحررين.. نأسف لأي إزعاج حصل [عقب التغطية السابقة]. رويترز تعيد نشر الخبر مع إزالة [المحتوى السابق] حول سبب وفاة الصبي”.

ATTENTION EDITORS – CAPTION CORRECTION FOR FFF-GAZ04-FFF-GAZ12. WE ARE SORRY FOR ANY INCONVENIENCE CAUSED. REUTERS. REFILE – REMOVING CAUSE OF DEATH

كما  أقدمت رويتر على نشر تقرير آخر حول القضية ذاتها بعنوان يعكس التعديل المشار إليه: “وزارة فلسطينية تعدل بيانها بشأن مقتل صبي من غزة بنيران إسرائيلية

غير أن وكالة الأنباء الفرنسية سلكت مسلكًا آخر وظلت متمسكة بروايتها الأولى التي تنسب مقتل الصبي عبد العال إلى رصاصات أطلقها الجنود الإسرائيليون على المحتجين الفلسطينيين على حدود غزة، حيث نشرت الوكالة خبرًا (يوم 15 سبتمبر/أيلول) بعنوان “غزيون يدفنون صبيًا يبلغ 12 عامًا قُتل في مواجهات على الحدود الإسرائيلية“. ورغم اتصال فريق (كاميرا) بوكالة الأنباء الفرنسية بطلب تصحيح تغطيتها المشوّهة للحدث، فإن الوكالة نشرت تقريرًا لاحقًا بعنوان “وزارة [الصحة في غزة]: صبي فلسطيني يتوفى متأثرًا بجراحه عقب المواجهات“. وأوردت الوكالة في تقريرها ما قاله الناطق العسكري الإسرائيلية من أن هناك تساؤلات حول وفاة الصبي، لكنها في الوقت ذاته أصرّت على الاستشهاد ببيان وزارة الصحة في غزة التي ادّعت بأن الصبي عبد العال قُتل بنيران إسرائيلية.

كما أن صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” اكتفت بالاقتباس من تقرير وكالة أسوشييتد برس الأول الذي جزم بأن الرصاصات التي أطلقها الجنود الإسرائيليون أدت إلى مقتل الصبي عبد العال. ورفضت الصحيفة التجاوب مع فريق (كاميرا) الذي راجعها بطلب تعديل هذه الصيغة الخاطئة.

أنظر تقرير (كاميرا) الأصلي بالإنجليزية حول القضية

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *