الفيلم الوثائقي “غزة؛ الأطباء تحت الهجوم”، من إخراج كريم شاه وتقديم راميتا نواي، تم إنتاجه بتكليف من هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) لكنه عُرض في نهاية المطاف على قناة 4 البريطانية. وعلى عكس ما يدّعيه الفيلم، فهو لا يُشبه بأي حال من الأحوال “تحقيقاً جنائياً دقيقاً” في الاتهامات الموجهة لجيش الدفاع الإسرائيلي بشأن استهدافه المتعمد للعاملين في القطاع الصحي. كما يوحي عنوان الفيلم نفسه، فهو يستند إلى نتيجة مُسبقة مفادها أن إسرائيل “استهدفت بشكل منهجي منشآت الرعاية الصحية والعاملين في القطاع الصحي في غزة”، ثم يعمل الفيلم بشكل عكسي لـ”إثبات” إدانة إسرائيل.

يُقال للمشاهدين: “منذ الأيام الأولى للحرب، هاجمت إسرائيل الشيء الذي يحتاجه الغزيون أكثر من غيره، وهو نظامهم الصحي”، وأن “إسرائيل تقتل من يحاولون إبقاء هذا النظام على قيد الحياة، بمن فيهم الأطباء والمسعفون، رغم أن العاملين في المجال الصحي محميون بموجب القانون الدولي”.
معظم الأدلة المعروضة تدعم هذا الاستنتاج. ورغم أن الفيلم يتضمن بعض التصريحات من الجيش الإسرائيلي تنفي هذه الاتهامات، إلا أنه لا يبذل أي جهد حقيقي لتقديم أدلة نافية للتهمة أو طرح وجهة نظر بديلة. لا يدعم الفيلم بأي شكل الرواية الإسرائيلية أو ينقل نفيها بشكل جاد. بمعنى آخر، لا يوجد تحقيق حقيقي في وجهة النظر الإسرائيلية، ولا حتى اعتراف بوجود أدلة واسعة تُظهر نمطاً ثابتاً لدى حماس، منذ عام 2007، في استخدام المنشآت الطبية لأغراض عسكرية.
فقط في نهاية الفيلم يُخبر المشاهدون بأن محمد السنوار تم القضاء عليه داخل نفق تحت المستشفى الأوروبي – وهي معلومة تقوّض الفرضية الأساسية للفيلم، لكنها لا تُعرض بهذه الطريقة. في الواقع، طوال الفيلم، يتم تقديم الأدلة التي تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي حاول جاهداً تجنب استهداف المدنيين أو العاملين في المجال الطبي بطريقة توحي بعكس ذلك، من خلال اللغة المستخدمة، والموسيقى، والخيارات الإخراجية التي تضلل المشاهد وتقلل من احتمالية توصله إلى استنتاجات مغايرة.
على سبيل المثال، يُقال للمشاهدين إن “الجيش أسقط آلاف المنشورات التي تحذّر سكان شمال غزة من أجل الإخلاء، وأصدر أوامر إخلاء للمستشفيات في الشمال” — وهي معلومة تقوّض من جديد استنتاج الفيلم. لكن هذه الحقيقة لا تُعرض كدليل على محاولة إسرائيل تجنب إيذاء المدنيين أو الطواقم الطبية، بل تُقدَّم على أنها دليل إضافي على أن المرضى والعاملين في المجال الصحي قد “أُجبروا” على المغادرة، وهو ما يُستخدم ضمنياً كبرهان آخر على سعي إسرائيل لتقويض النظام الصحي في غزة.
يُقال للمشاهدين إن “جميع مستشفيات غزة قد تم استهدافها أو إجبارها على الإخلاء أو تدميرها خلال 20 شهراً”، مما يصوّر سياسة إسرائيل الإنسانية في إجلاء المدنيين وكأنها جزء من “هجوم ممنهج على مستشفيات غزة”.
ويُخبر الفيلم أيضاً أن في مايو 2024، عندما حاول جيش الدفاع الإسرائيلي استهداف عناصر إرهابية في مستشفى العودة، “أصدر الجيش أوامر بالإخلاء”، إلا أن هذا يُعرض ضمن سياق يرسّخ السردية بأن تلك العمليات لم تكن موجهة ضد أهداف عسكرية بل ضد البنية التحتية الطبية، دون الإشارة إلى وجود مسلحين في تلك المواقع أو تقديم أي خلفية أمنية تبرر العمليات.
يُقال للمشاهدين إن الجيش الإسرائيلي “أصدر أوامر بالإخلاء… ثم داهم وأغلق المستشفى”، في إشارة إلى ما حدث في مستشفى العودة. لكن الرسالة الواضحة التي كان يمكن أن تُستنتج — وهي أن الجيش حاول إنقاذ المرضى والعاملين في القطاع الصحي — يتم التعتيم عليها عمداً. فاختيار كلمات مثل “أمر”، “داهم”، و”أغلق” يُستخدم لترسيخ الانطباع بأن ما جرى كان هجوماً على الرعاية الصحية في غزة.
وبخصوص مستشفى كمال عدوان، يُخبر الفيلم المشاهدين بأنه “تعرض لهجوم بعد إخلائه قسرًا“. استخدام كلمة “قسراً” قبل “الإخلاء” يُضفي طابعاً عدائياً على تصرف الجيش، ويقدمه كاعتداء متعمد على القطاع الصحي، بدلاً من أن يُنظر إليه كدليل إضافي على سعي الجيش الإسرائيلي لتجنب إيذاء المدنيين أثناء استهدافه لعناصر مسلحة تستغل تلك المنشآت.
مثال آخر على هذا التشويه الفاضح هو عندما يُقال للمشاهدين إن الجيش الإسرائيلي “اقتحم [مستشفى] وطرد جميع العاملين في الرعاية الصحية والمرضى”. وبعبارة أخرى، تم إجلاؤهم لتجنب إيذائهم.
ويُخبر المشاهدون أيضاً أنه “في بداية الحرب، هاجمت قوات الدفاع الإسرائيلية أكبر مستشفى في غزة، مجمع الشفاء الطبي” (توضيح: هو مجمع طبي يضم عدد من المستشفيات والعيادات الخارجية)، وأن “الشفاء أصبح هدفاً رمزياً لإسرائيل”، وهو تعبير (وخاصة كلمة “رمزي”) توحي زوراً بعدم وجود قيمة عسكرية للهجمات.
ويُقال للمشاهدين إن “الجيش الإسرائيلي زعم وجود مركز قيادة لحماس تحت المستشفى [الشفاء]”، لكن تم حذف حقيقة أن البيت الأبيض والبنتاغون كان لديهما معلومات استخبارية تؤكد ذلك.
يُقال للمشاهدين أيضاً، فيما يتعلق بهجوم قوات الدفاع الإسرائيلية عام 2024 على أهداف إرهابية في مستشفى الشفاء، إن الجيش فشل في تقديم “أدلة كافية تُثبت وجود مركز قيادة رئيسي لحماس” تحت المستشفى، دون توضيح بناءً على تقييم من أو تعريف ما المقصود بـ”الأدلة الكافية”.
كما تلمح أجزاء من الفيلم إلى أن إسرائيل كانت تستهدف المدنيين عمداً في غزة من أجل “إضعاف إرادتهم”.
مجزرة 7 أكتوبر تم مسحها تقريباً بالكامل. يخصص الفيلم 42 ثانية فقط لوصف وتقديم لقطات للهجمات، وخلال هذا الجزء القصير جداً، يُقال للمشاهدين إن “الإسرائيليين يأتون إلى هذه النقطة في سديروت لتقديم احترامهم للأموات ومشاهدة الهجمات على غزة”، مع عرض زوار عند نقطة مراقبة تطل على غزة من تل كوبي. هذا التوصيف يوحي بشكل واضح بأن الإسرائيليين يستمتعون بشكل مريب بمشاهدة الهجمات على غزة.
بنفس الطريقة، تم تجاهل حماس بالكامل. لا تُذكر أفعالهم وقراراتهم في تحقيق الفيلم. الهجوم الوحشي الذي بدأ الحرب، والمحفز بأيديولوجية متطرفة معادية للسامية، تم محوه. كما تم تجاهل سياسة استخدامهم للمدنيين كدروع بشرية. باختصار، حماس، والجهاد الإسلامي، وغيرها من الجماعات الإرهابية في غزة تُعامل وكأنها أشباح — كأنها منذ 7 أكتوبر لم تلعب أي دور في مصير القطاع.
دورهم في “تدمير النظام الصحي في غزة”، نتيجة لاستخدامهم للمرافق الطبية لأغراض عسكرية، تم تجاهله تماماً — وكذلك خيارهم السيئ عدم الاستسلام طوال 21 شهراً، رغم أن الاستسلام كان من الممكن أن يجنّب المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم العاملين في القطاع الصحي، الكثير من المعاناة.
وبالمثل، عندما يُقال للمشاهدين إن “منازل ومدارس وجامعات قد دُمّرت، مما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف”، لا يُذكر أنفاق حماس الإرهابية التي تمتد مئات الأميال تحت المناطق المدنية، ولا حقيقة أن الجيش الإسرائيلي عثر على أدلة على نشاط عسكري وحيازة أسلحة لحماس والجهاد الإسلامي داخل المنازل والمدارس والجامعات.
كل ما يُقال للمشاهدين هو أن “إسرائيل تزعم أن حماس تستخدم المستشفيات كجزء من استراتيجيتها العسكرية”، وكأن هذه الادعاءات بلا أدلة تدعمها. يبدو أن التحقيق “الجنائي” الحقيقي كان ينبغي أن يركّز على هذه النقطة ويفحصها بدقة.
ولا يوجد تقريباً أي ذكر للقانون الدولي الذي ينص على أن هذه المنشآت الصحية قد تفقد حمايتها إذا ما استخدمها المقاتلون لأغراض عسكرية، كما تفعل حماس وغيرها من جماعات الإرهاب في غزة. ويبرز غياب التدقيق في مزاعم وأفعال حماس بشكل واضح مقارنةً بشكوكهم الشديدة أو رفضهم الكامل لمزاعم الجيش الإسرائيلي.
يُقال للمشاهدين إنه “في 3 نوفمبر 2023، ضربت ضربة إسرائيلية قافلة من سيارات الإسعاف كانت تغادر المستشفى. وقال الهلال الأحمر الفلسطيني إن 15 شخصـًا قُتلوا. وأكد الجيش الإسرائيلي أن سيارات الإسعاف كانت تنقل مسلحين من حماس، لكنه لم يقدم أي دليل”. يُلاحظ أن الطرف الوحيد الذي يُتهم بعدم تقديم أدلة هو الجيش الإسرائيلي، بينما تُؤخذ مزاعم الهلال الأحمر الفلسطيني على محمل الجد دون تحقق.
يدعي طبيب أنه أُخبر من قبل الجيش الإسرائيلي بتقديم قائمة بكل المرضى والأطباء في مستشفى العدوة، وأنه إذا بقي أي شخص هناك، “سيقومون بقتل النساء والأطفال”. يُقدم للمشاهدين هذه الاتهامات الممجوجة والمفترضة دون أي أدلة، ودون أي محاولة للتشكيك فيها أو ذكر أن الطبيب لم يقدم أي دليل يدعم ادعاءه.
يتحدث المخرج مع بدور حسن، باحثة من منظمة العفو الدولية في رام الله، التي تزعم أن “التعذيب والمعاملة غير القانونية” للعاملين في الرعاية الصحية من قبل الجيش الإسرائيلي تُظهر “نية لتدمير النظام الصحي” و”إبادة جماعية”. لم يُطلب من حسن تقديم “أدلة كافية” أو أي دليل يدعم هذه الاتهامات. كما تم تجاهل الأدلة التي تكشف عن تحيز منظمة العفو الدولي المفرط ضد إسرائيل.
بعد سرد حادثة اعتقال الطبيب خالد حمودة في غزة من قبل الجيش الإسرائيلي، ثم نقله مؤقتاً إلى سجن في إسرائيل، يُقال للمشاهدين إن “النقل القسري للسجناء محظور بموجب القانون الدولي”.
لكننا تواصلنا مع آن هيرزبرغ، المديرة القانونية في منظمة NGO Monitor، التي أخبرتْنا ما يلي:
يستشهد الفيلم الوثائقي بقاعدة عامة توجد لها عدة استثناءات. تنص المادة 49 من اتفاقيات جنيف صراحةً على أن “أمن السكان أو سبب عسكري ملح” يُعد استثناءً مشروعاً، ويمكن تنفيذ ذلك خارج “الأراضي المحتلة” عندما يكون “من المستحيل تجنب مثل هذا التهجير لأسباب مادية”. من الواضح أنه في منطقة حرب نشطة، لا يمكن التحقيق مع عضو مشتبه به في حماس في المكان نفسه، ومن المشروع تماماً أن تنقله قوات الدفاع الإسرائيلية إلى إسرائيل للتحقيق.
كما يُجري الفيلم مقابلة مع أكاديمي من الضفة الغربية، الدكتور ليث حنبلي، من معهد الدراسات الفلسطينية، والذي يُقال للمشاهدين إنه “يتتبع هجمات إسرائيل على النظام الصحي في غزة” – وهو مثال آخر على كيف تُعرض فرضية مسؤولية إسرائيل كحقيقة مؤكدة.
في نهاية الفيلم، يُقال للمشاهدين إن “الهلال الأحمر الفلسطيني يقول إن 27 من مسعفيه قتلوا أثناء تأدية واجبهم، وتم إخراج 34 من سيارات الإسعاف من الخدمة بسبب الهجمات الإسرائيلية”، دون ذكر الاستخدام المتكرر من قبل حماس لسيارات الإسعاف في نقل الإرهابيين، أو ظروف وفاة المسعفين.
يُقال للمشاهدين أيضاً إن الجيش الإسرائيلي والرهائن أنفسهم يدعون أن مستشفى ناصر استخدم لإخفاء الرهائن، لكن يتم اقتباس طبيب من غزة يقول إنه لم يرَ أي رهائن في المستشفى – مما يضع شهادة الرهائن ونفي الطبيب على قدم المساواة.
كما لا يُذكر للمشاهدين أبداً أن العاملين في المجال الطبي – وجميع المدنيين – في المنطقة يخشون على الأرجح التعرض للاعتقال أو التعذيب أو الإعدام إذا تحدثوا عن استخدام حماس للمدنيين (بما في ذلك الأطباء والمرضى في المنشآت الطبية) كدروع بشرية.
الفيلم الوثائقي لقناة 4 يشبه الدعاية التي تتوقع مشاهدتها على الجزيرة، وليس في مؤسسة إعلامية بريطانية رئيسية تتصور نفسها منظمة إخبارية جادة.
كتب: آدم ليفيك
للاطلاع على أصل التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع مؤسسة “كاميرا المملكة المتحدة” انقر هنا.