الحقيقة الكاملة حول ملف حي الشيخ جراح

أصبح الجدل الذي يدور منذ فترة طويلة حول مصير الأراضي المملوكة ليهود والمستأجرة لفلسطينيين بحي الشيخ جراح في مدينة أورشليم القدس يتصدر الأخبار، خاصةً بعد قرار آخر صادر عن المحكمة الإسرائيلية يعيد تأكيد ملكية اليهود للعقارات المتنازع عليها قبل عام 1948، وبالتالي إلزام ساكنيها الفلسطينيين بدفع إيجارهم أو إخلاء هذه المساكن. في الوقت نفسه، تم طرح ادعاءات كاذبة تزعم بأن القوانين الإسرائيلية غير عادلة لأن اليهود يمكنهم استعادة الممتلكات في الضفة الغربية، بينما يستحيل على الفلسطينيين استرداد ممتلكاتهم في إسرائيل في حدود ما قبل حرب الأيام الستة (يونيو/حزيران 1967).

لمحة تاريخية

يعود أصل الخلاف المتعلق بحي الشيخ جراح إلى قيام جمعية يهودية عام 1876 بشراء مقام الصِدّيق شمعون والحقل المجاور له الذي بلغت مساحته 18 دونماً. وكانت هذه الجمعية تضم الفئتين الرئيسيتين لليهود القاطنين في أورشليم القدس آنذاك، وتحديداً السفاراديم (“الشرقيين”) والأشكنازيم (“الغربيين”)، بحيث قامت الجمعية بتقسيم الأراضي التي اشترتها مناصفةً بينهما. فيما بقي الشق الخاص باليهود الغربيين خالياً، بدأ اليهود السفاراديم ببناء مساكن لهم على الجزء التابع لهم وأنشأوا هناك حياً يهودياً ظل قائماً حتى ثلاثينيات القرن العشرين حيث أخذ يتلاشى تدريجياً في ظل حوادث العنف المتصاعد التي تعرض لها السكان اليهود من قبل جيرانهم العرب.

حرب 1948 وتداعياتها

شهد حي الشيخ جراح قبيل اندلاع الحرب، وتحديدًا في أبريل/نيسان 1948، وتحت مرأى ومسمع القوات البريطانية التي كانت لا تزال منتشرة في البلاد حينها، مجزرة مروّعة ارتكبها مسلحون عرب بحق بعثة إمدادات يهودية كانت متجهة إلى الجيب اليهودي على جبل المشارف.

أثناء الحرب، اجتاحت القوات الأردنية مناطق أورشليم القدس الشرقية (وغيرها من مناطق الضفة الغربية) التي بقيت خاضعة لسيطرتها بعد انتهاء الحرب، بينما اضطُرّ كافة السكان اليهود في الشيخ جراح وغيره من أحياء شرقي المدينة إلى الفرار. وبالتالي تولت الدائرة الأردنية المكلفة بحراسة أملاك العدو الإشراف على العقارات المملوكة ليهود في الشيخ جراح. ويشار في السياق ذاته إلى أن الحكومة الأردنية استخدمت الأراضي اليهودية شرقي أورشليم القدس لأغراض خاصة بها، ومنها على سبيل المثال إنشاء مبانٍ حكومية أو مخيمَيْ اللاجئين قلنديا وعناتا.

بالعودة إلى حي الشيخ جراح، فقد اتفقت الحكومة الأردنية عام 1956 مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على استخدام الأراضي الخالية التابعة لليهود الأشكنازيم في الحي لبناء مساكن تؤوي 28 عائلة فلسطينية لاجئة.

تشير الوثيقة المرفقة إلى أن العقارات المملوكة لليهود تم تأجيرها (وليس بيعها) إلى أسر فلسطينية من قبل الدائرة الأردنية المكلفة بحراسة أملاك العدو.

بموجب اتفاق تم إبرامه مع الأونروا، تنازل عدد من اللاجئين الفلسطينيين عن المساعدات التي كانوا يحصلون عليها وكذلك عن بطاقاتهم التموينية مقابل استئجارهم تلك المنازل بإجارات رمزية لمدة ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر. وينص الاتفاق على أن للمستأجر الذي يقوم باحترام شروط الاتفاق الحق في البقاء في المسكن لمدة ثلاثون سنة بذات الإجار، تجدد فيما بعد لثلاث وثلاثين سنة إضافية.

يدعي المستأجرون اليوم أنه وبموجب اتفاق متوازي، حصلوا على ملكية تلك العقارات بعد انتهاء المدة الأولى (الثلاثة أعوام وثلاثة أشهر). إلا أنهم لم يقدموا أي دليل ملموس يثبت هذا الادعاء. كما أن عقود الإجار المعمول بها تتناقض قانونياً مع وجود عقود ملكية حيث أن ساكن العقار لا يمكن أن يكون مستأجراً ومالكاً في نفس الوقت. وبالتالي، نظراً للقانون الإسرائيلي وفي ظل عدم وجود عقود ملكية ووجود عقود إجار، تعتبر الأسر ال28 مستأجرة لتلك العقارات وليست مالكة لها.

حرب 1967 وتداعياتها

بعد انتهاء حرب 1948 واحتلال الأردن للضفة الغربية ولشرق أورشليم القدس، استولت الحكومة الأردنية على الكثير من الممتلكات اليهودية وحولتها إلى معسكرات للاجئين الفلسطينيين أو مبانٍ حكومية. إلا أن العقارات الواقعة في حي الشيخ جراح والمذكورة في التقرير ظلت رسمياً في حوزة ملاكها اليهود المبعدين بسبب الصراع القائم. بعد انسحاب الأردن من تلك المناطق إثر هزيمته في حرب الأيام الستة، بسطت إسرائيل سيطرتها على المنطقة وبدأ الملاك اليهود يطالبون باستعادة أملاكهم من خلال القانون لتبدأ معركتهم الطويلة أمام القضاء الإسرائيلي.

هل الأرض حقاً مملوكة ليهود؟

استولت الدائرة الأردنية المكلفة بحراسة أملاك العدو على أملاك اليهود في حي الشيخ جراح تعسفاً لمجرد أنها مملوكة ليهود. بالرغم من هذا فهي لم تنكر ملكية أصحابها (اليهود) لها على مدى 19 سنة، أي أثناء فترة احتلال الأردن للمنطقة. ولم يدعي ساكنيها ملكيتها إلا مؤخراً. فإذا كانوا على حق، لماذا لم يسمع ادعاءهم هذا في السابق، ولا سيما أثناء الحكم الأردني؟! وما هو دليل ادعاءهم؟!

الحكومة الإسرائيلية لا تطرد أحد

الجدير بالذكر هنا أن القضية تتعلق بنزاع على عقارات بين خصوم مدنيين، دولة إسرائيل ليست طرفاً فيه. مع مرور الوقت، كف بعض المستأجرين عن دفع الإجار المستحق للملاك ومن هنا اندلعت الأزمة. لم تطرد الحكومة الإسرائيلية أحد من منزله. بعدما استطاع الملاك اليهود إثبات ملكيتهم للعقارات أمام المحكمة، لم يطالبوا السكان الفلسطينيين من إخلاءها وإنما أخطروهم بضرورة دفع الإجار.

عام 1982، حينما قاضوا الملاك اليهود مستأجريهم أمام المحكمة لعدم دفعهم للإجار، لم ينكر دفاع الأسر المستأجرة ملكية أصحاب العقارات اليهود. بدلاً من ذلك، تم التوصل إلى اتفاق في المحكمة بين طرفي النزاع بموجبه تدفع الأسر للملاك مستحقاتهم مقابل اعتبارهم “مستأجرين محميين”، أي أنه لا يجوز طردهم في حياتهم (وفي بعض الحالات، يورث الإجار للأبناء)، شريطة أن يحترم المستأجر جميع بنود الاتفاق الذي يشمل دفع الإجار.

ولكن ربما تحت ضغط منظمة التحرير الفلسطينية وأمام إغراءات مالية عديدة، قررت أغلبية الأسر التنصل من الاتفاق والادعاء بملكيتها للعقارات.

إدارة إسرائيل للعقارات المملوكة لفلسطينيين غائبين

أما فيما يتعلق بوضعية أملاك الفلسطينيين الغائبين في إسرائيل، أي العرب الذين فروا من البلاد أثناء حرب 1948 تاركين أملاكهم، فسرعان ما خضعت تلك العقارات لهيئة حكومية مكلفة بحراسة أملاك الغائبين. مع مرور الوقت، تم استخدام هذه الأملاك لاسكان اللجئين اليهود الفارين من الدول العربية في خمسينيات وستينيات القرن المقاضي، وفي بعض الأحيان لإيواء مكاتب حكومية. ولكن تم تسجيل قيمة كل عقار بحيث يحصل صاحبه على تعويض يوازي القيمة مع زيادة تشمل الفائدة والتضخم.

وبالفعل، دعت إسرائيل أصحاب الأملاك إلى تقديم طلبات التعويض، إلا أن أغلبيتهم رفضوا ظناً منهم أن الاقدام على خطوة كهذه من شأنه أن يعرضهم للاتهام بالخيانة أو يعتبر اعترافاً بشرعية وسيادة إسرائيل. بالرغم من ذلك، تلقت إسرائيل 14692 طلباً بخصوص ما يزيد عن 200000 دونم من الأراضي. صرفت إسرائيل لهؤلاء ما يقارب العشرة ملايين شيكل إسرائيلي جديد (كانت قيمة باهظة آنذاك) وكذلك أعطت 54000 دونم للعديد من الملاك الذين لانوا قد فقدوا أراضي في أماكن أخرى.

استمرت إسرائيل في اتباع سياسة التعويض علماً بأن البلدان العربية المجاورة ترفض حتى اليوم تعويض أكثر من نصف مليون يهودي تم إجبارهم على التخلي عن أملاكهم والفرار بملابسهم. على من يتهم إسرائيل بممارسة الظلم في حق اللاجئين الفلسطينيين أن يأخذوا هذه الحقائق بعين الاعتبار.

أنظر إلى التقرير الصادر أصلاً بهذا الخصوص على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *