هل يجوز تحميل إسرائيل المسؤولية عن منح التطعيمات ضد “كورونا” لسكان المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية؟

المصدر: Agência Brasília, CC BY 2.0 , عبر ويكيميديا كومنز

نشرت بعض وسائل الإعلام الدولية البارزة الصادرة باللغة الإنجليزية تقارير تحمّل إسرائيل مسؤولية تقديم جرعات التطعيم ضد فيروس (كورونا) إلى السكان الخاضعين لإمرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد تناولت مؤسسة “كاميرا” هذه القضية في سلسلة تقارير صدرت على مواقعها الإلكترونية باللغة الإنجليزية، حيث عرضت فيها لنشر الادّعاءات المذكورة في ثلاث من أبرز الصحف البريطانية هي التايمز والتلغراف والغارديان بالإضافة إلى هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وقناة MSNBC الأميركية ووكالة أسوشييتد برس الأميركية.

وإذا أخذنا صحيفة الغارديان مثالاً على سوء التعامل مع الموضوع فإنها نشرت تقريرًا بعنوان “إستبعاد الفلسطينيّين من بدء حملة التطعيم الإسرائيلية ضد (كوفيد) فيما يجري حقن المستوطنين باللقاح“. (أنظر العنوان بالإنجليزية أدناه). غير أن العنوان مضلل في أفضل الأحوال وكاذب عمدًا في أسوئها، ذلك لأن حملة التطعيم الإسرائيلية تطال، بمنتهى البساطة، المواطنين الإسرائيليين، ومنهم أيضًا المستوطنين، أي أولئك السكان اليهود القاطنين في الضفة الغربية، بينما لا يتمتع السكان الفلسطينيون في المنطقة بالجنسية الإسرائيلية. في الواقع يتناغم أي إجراء يهدف إلى تطعيم هؤلاء الفلسطينيين باللقاح ضد (كورونا) مع المصلحة الإسرائيلية، لكن إسرائيل لا تتحمل أي مسؤولية قانونية عنهم.

للأسف الشديد، تكررت ادّعاءات مماثلة بهذا الشأن في تقارير خاصة بمؤسسات إعلامية أخرى كما ذكرنا أعلاه، مع العلم أن بعضها تجاوب مع مراجعات فريق “كاميرا” وعمد إلى تصحيح هذه الصيغة المجحفة. ومن هذه المؤسسات صحيفة التلغراف التي كتبت في تقريرها الأولي تقول:

إن برنامج التطعيم الإسرائيلي يشمل جميع المواطنين الإسرائيليين ممن تزيد أعمارهم عن 16 عامًا لكنه يستبعد ملايين الفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة

على أن الصحيفة تراجعت جزئيًا عن هذه الصيغة واستبدلتها بالآتي:

إن برنامج التطعيم الإسرائيلي يشمل جميع المواطنين الإسرائيليين ممن تزيد أعمارهم عن 16 عامًا لكنه يستبعد ملايين الفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة الذي تحكمه حماس

ويشار إلى أن الصيغة المعدَّلة لا تفي أيضًا بالغرض المطلوب كونها تتجاهل الحقيقة الأساسية المتمثلة بعدم تحمّل إسرائيل أي واجب قانوني إزاء سكان المناطق الفلسطينية على صعيد الرعاية الصحية المقدمة لهم.

لحسن الحظ كانت الغالبية العظمى من المواقع العربية التابعة لوسائل الإعلام الغربية الكبرى أكثر ذكاءً من نظيراتها الإنجليزية، بمعنى أنها لم تروّج الادّعاءات المنوَّه بها. وقد يكون التقرير الصادر على موقع دويتشه فيله الألماني استثناءً واحدًا لهذه القاعدة، كونه قد اعتمد العنوان المستفزّ بعض الشيء التالي: “التطعيم ضد كورونا.. سرعة قياسية في إسرائيل لكن ماذا عن الفلسطينيين؟“، مع العلم أن التقرير الذي أعقب هذا العنوان كان موضوعيًا وتناول المسألة بصورة حيادية.

في الحقيقة يسهل تفنيد الادّعاءات المشار إليها. دَعُونا أولاً نلقي نظرة على الإطار القانوني الذي ينظم مجمل العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في مجال الرعاية الطبية أيضًا، ألا وهو اتفاقات أوسلو. إذ ينصّ البند السابع عشر من هذه الاتفاقات (أنظر أدناه لقراءة الصيغة الإنجليزية الملزمة لها)، وبشكل لا يقبل التأويل، على إحالة الصلاحيات والمسؤوليات في المجال الصحي في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الجانب الفلسطيني، بما في ذلك ما يتعلق بالتأمين الصحي وإعطاء التطعيمات اللازمة للسكان تمشيًا مع المعايير الدولية المعمول بها.

كما يجب مراعاة النقاط التالية فيما يتعلق بتحميل إسرائيل مسؤولية تطعيم السكان في أراضي السلطة الفلسطينية ضد فيروس (كورونا):

  • إن السلطة الفلسطينية لم تراجع أصلاً إسرائيل بأي طلب لدعم جهودها للحصول على التطعيمات الخاصة بمكافحة (كوفيد-19). كما أن مسؤولي السلطة الفلسطينية صرّحوا علنًا بأنهم لا يتوقعون من الحكومة الإسرائيلية أي دعم في هذا المضمار.
  • إسرائيل نفسها لم تقُل قط أنها لن تقدم يد العون للسلطة الفلسطينية لتأمين حصولها على التطعيمات اللازمة، إذا ما اقتضى الأمر ذلك.
  • السلطة الفلسطينية تدّعي بأنها حصلت على ملايين جرعات التطعيم اللازمة لها من بعض الدول. ويشار في هذا السياق إلى أن السلطة أعلنت حديثًا أنها تعاقدت مع روسيا على شراء لقاح “سبوتنيك” ضد الفيروس (أنظر أدناه بيان لوزارة الصحة الفلسطينية تم نشره يوم 11 يناير/كانون الثاني 2021 على صفحة الفيسبوك للوزارة).
  • هناك تقارير إعلامية تفيد بأن قرار السلطة الفلسطينية في حينه قطع جميع أشكال التعاون مع إسرائيل (قبل تراجعها عنه جزئيًا فيما بعد) قد أضرّ بالجهود الإسرائيلية- الفلسطينية المشتركة لاقتناء التطعيمات ضد (كورونا).

خلاصة القول: إن الادّعاءات التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام الدولية بأن إسرائيل تقصّر في واجب نقل جرعات التطعيم ضد فيروس (كورونا) إلى السلطة الفلسطينية لا تستند إلى أي أساس. يا ترى، هل تعود هذه التقارير إلى تكاسل مندوبي وسائل الإعلام المعنية عن التدقيق في الحقائق أم إلى اعتبارات غير موضوعية أخرى؟

أنظر التقرير الأخير الصادر باللغة الإنجليزية حول الموضوع على موقع CAMERA-UK التابع لمؤسسة “كاميرا”.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *