لماذا يصعب على “بي بي سي عربي” الاعتذار لليهود إذا أخطأت في حقهم؟

شتان ما بين ردة فعل هيئة الإذاعة البريطانية حين تواجه معاداة السامية وردة فعلها على رهاب المثلية…

خلال يوليو/تموز 2021، وبمساعدة فريق عمل مؤسسة “كاميرا” باللغة العربية، اكتشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن “بي بي سي عربي” ضمن برنامجها “تريندنغ” الخاص بمشاركات أعضاء شبكات التواصل الاجتماعي يتضمن بانفتاح المحتويات المتعلقة برهاب المثلية بدون انتقاد وخارج أي إطار سياقي، حيث نشرت خلال العامين الماضيين على سبيل المثال تعليقات حافلة بالكراهية على الشبكات الاجتماعية تدعو إلى محاكمة المثليين والحكم عليهم بالسجن المؤبد، واتهامهم بانتشار مرض كورونا والإعلان أن رفع “عَلَم المثليين” يدل على “الانحطاط الأخلاقي”. وقد تم عرض جميع هذه التعليقات على أنها أصوات مشروعة صادرة عن “الشارع العربي” وكأن أصالتها تعفيها بطريق من الطرق عن تحديها خلال البرنامج.

وردا على تحقيق “ديلي ميل” أصدرت “بي بي سي” اعتذاراً على النحو التالي: “[إن هذه المواد كانت دون معاييرنا التحريرية ونحن نعتذر] لمشاهدينا. إن صيغة برنامج ‘بي بي سي تريندنغ’ تتحرى عرض النقاش الدائر في العالم العربي ودراسة المواقف المتعارضة على الوسائل الاجتماعية. وإن كان عرض تشكيلة من المواقف والنقاش الدائر حولها ضمن تغطيتنا أمراً مناسباً، [إلا أنه كان يجب علينا تحدي بعض هذه المواقف بحزم أو توفير السياق الذي وردت ضمنه. وقد فشلنا في مثل هذه الحالات في القيام بذلك وكان علينا ألا نورد هذه التغريدات بكاملها]. وسوف نقدم مزيداً من [التدريب لطواقمنا] مع التركيز على تغطية شؤون المثلية والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً.”

وبعد ذلك بشهرين، وبمساعدة “كاميرا” مرة أخرى، اكتشفت صحيفة “جويش كرونيكل” أن برنامج “بي بي سي عربي” ذاته تمادى في القيام بنفس الممارسات المهينة حيال اليهود والإسرائيليين أيضاً. فخلال إبريل/نيسان 2020 بث برنامج “تريندنغ” مشاركة تتحدث بعبارات الثناء عن إزالة إسرائيل عن الوجود مستقبلاً من خلال شن الحرب عليها ثم الطرد الجماعي لمواطنيها اليهود. وجاء في مشاركة أخرى نشرت في سبتمبر/أيلول 2019 أن “الإرهاب الصهيوني المتمكن من الحكومة الألمانية”.

كما أظهر هذا الاكتشاف كيفية تحرير “بي بي سي عربي” للتعليقات الحاقدة بهدف تقليص أبعادها العدوانية. وعلى سبيل المثال تم إزالة الادعاء بأن اليهود يتحكمون “بالكثير من مقدرات العالم” من إحدى المشاركات قبل عرضها على الشاشة. وتضمنت مشاركة أخرى تم “معالجتهالاحتوائها على المديح لسليمان خاطر، وهو جندي مصري قتل سبعة سياح إسرائيليين عُزَّل عام 1985، وذلك عبر حذفها من المواد المعروضة خلال البرنامج.

ولكن نغمة “بي بي سي” كانت مختلفة هذه المرة، إذ تضمنت: “تقضي صيغة برنامج ‘تريندنغ‘ بإظهار عينة متوازنة للمشاركات الآتية من كافة أنحاء العالم العربي حول موضوع بعينه يثير الاهتمام ودراسة المواقف المعبر عنها في شبكات التواصل الاجتماعي، ومن غير النادر أن يتم تحرير تغريدة أو رسالة فيسبوك لإظهار النقاط الأكثر صلة بموضوع النقاش. وقد يحدث بين الحين والآخر إزالة محتوى غير لائق بالبث ويتعارض وخطوطنا الإرشادية. ونعكف حاليا على دراسة ما إذا كانت التغريدات التي تم بثها في كل من 28 أبريل/نيسان 2020 و26 سبتمبر/أيلول 2019 تشكل انتهاكا لخطوطنا الإرشادية التحريرية وما إذا كان من الممكن إخضاعها للتحرير.”

وتجار ملاحظة الفارق بين إقرار “بي بي سي” بالفشل في يوليو/ تموز 2021 والمرفق به اعتذار ووعد من النوع الرائج “بتدريب الموظفين” من جهة، والبيان المتحفظ الصادر في سبتمبر/أيلول من جهة ثانية، علما بأن كليهما يدوران حول الموضوع نفسه مع فرق هام واحد يتمثل في المجموعة التي تتأثر بتعصب المعلقين.

إن “بي بي سي” لم يفضل عدم الاعتذار لمشاهديه في الحالة الثانية فحسب، بل ذهب الناطق بلسانه إلى الاكتفاء بالقول إن مسألةَ ما إذا كانت معاييرها التحريرية تعرضت للانتهاك حقا في المقام الأول (حيال تشجيع التعليقات المرحبة بإزالة إسرائيل من الوجود والقائلة بأن الصهاينة يتحكمون في ألمانيا) هي الآن قيد الدراسة.

وبالمقارنة، فعند مناقشة المشاركات المنطوية على رهاب المثلية ضمن الاعتذار الصادر في يوليو/تموز، أقرت “بي بي سي” في الحال بأن مثل هذه الانتهاكات قد تمت فعلاً.

ورغم اعتراف “بي بي سي” بأن محرريها قاموا بإزالة محتويات معادية للسامية من بعض التعليقات قبل بثها، إلا أنها لم تجد ضيرا أصلا في تصوير المعلقين بأنهم لم يكونوا يوما أصحاب آراء معادية للسامية أو مؤيدة للقتل، وهو أمر مقلق بشكل خاص إذا أوردنا في الاعتبار أن الناطق كان صرح في يوليو/تموز بأن التعليقات المنطوية على رهاب المثلية قد تم بثها “بالكامل”. فهل كانت البي بي سي تشير بذلك إلى نيتها “تبييض” المعلقين المصابين برهاب المثلية أيضا لكي يسهل القبول بهم؟

ثمة مثال من أغسطس/آب 2021 يوحي بذلك فعلاً، فبعد مرور أقل من شهر على ما نشرته “ديلي ميل”، بث برنامج “تريندنغ” تعليقاً خضع للتنقيح حيث حلت كلمة “المثليين” محل عبارة “الشواذ والمثليين“.

هل تنطبق هنا معايير “بي بي سي” المزدوجة الخاصة بمعاداة السامية ورهاب المثليين؟ هل تعتذر لتنقيح التعليق الذي كان أصله تعبيراً عن رهاب المثليين؟ أم أنها سوف تتمسك بموقفها القائل بأن لا ضير في “تبييض” المعلقين ليبدو الخطاب أقل تعصباً مما هو فعلاً؟

إن أية صيغة لبرنامج “ترندينغ” لا تدرس بعين فاحصة الوسائل الاجتماعية الناطقة بالعربية لتتبين حقيقة ما تنطوي عليه متأثرة بالضرورة بعنصرية خفض مستوى التوقعات، والتي تطالب الناطقين بالضاد باتباع معايير أدنى من تلك المنتظرة من الناطقين بالإنجليزية، ومثل هذه الصيغة لا يمكن إطلاقاً إدراجها ضمن فئة “الصحافة المهنية”.

بقلمداود جروم، باحث بمؤسسة “كاميرا”.

نُشر هذا المقال في صحيفة “جویش کرونیکل” البريطانية بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول وتُرجم للعربية بموافقة الصحيفة.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *