هل تتحدث السلطات الألمانية بوجهين بشأن التزاماتها بحماية حياة المدنيين اليهود الإسرائيليين؟
مع الذكرى الخمسين لمجزرة أولمبياد ميونيخ هذا الشهر، ركزت التغطية الإعلامية الواسعة على الاعتراف المتأخر من الحكومة الألمانية بفشلها في حماية حياة المدنيين الإسرائيليين، الذين كانوا يتنافسون على أراضيها، وفي الوقت ذاته، بعيداً عن رادار الإعلام، ظهر قرار محكمة ألمانية يبدو أنه بشكل مشين رفض اعتبار حياة المدنيين الإسرائيليين جديرة بالحماية.
في إحياء الذكرى الرسمية لهجوم “أيلول الأسود” الفلسطيني في 5 سبتمبر 1972، الذي قُتل فيه 11 رياضياً إسرائيلياً وضابط شرطة، توجه الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، إلى عائلات الضحايا طالباً الصفح عن “الحماية غير الكافية التي تم توفيرها للرياضيين الإسرائيليين”، كما أعرب عن أسفه لعقود من “العراقيل، الجهل والظلم” من قبل السلطات الألمانية. جدير بالذكر أنه تم التوصل إلى تسوية تعويضية بين أفراد العائلات الثكلى والحكومة الألمانية الأسبوع السابق.
وفي غضون ذلك، اعتبرت المعلقة السياسية المقيمة في برلين، فرح مرقة، يوم الإثنين، هو “يوم احتفالات”، بعد أن قضت محكمة العمل المحلية بأن إنهاء عملها كصحفية في وسائل الإعلام العامة الألمانية “دويتشه فيله” كان “غير مبرر قانونياً”. قامت “دويتشه فيله” بفصل فرح مرقة، الأردنية-الفلسطينية، وستة موظفين عرب آخرين في وقت سابق من هذا العام، بعد تحقيق داخلي استمر شهرين حول معاداة السامية.
وفي الأسبوع الماضي، ادعت مرقة ومحاموها أن محكمة برلين أمرت بإعادة توظيفها في مؤسسة الإعلام العامة الألمانية، ودفع جميع النفقات القانونية، (لم تؤكد المحكمة هذه المعلومات؛ بينما قالت “دويتشه فيله”، التي كانت قد قدمت قبل أربعة أيام فقط مدونة سلوك جديدة تدعم فيها “حق إسرائيل في الوجود”، إنها أخذت علما بالحكم، حتى قبل انتقالها إلى ألمانيا وبدء عملها في “دويتشه فيله”، كانت مرقة تتحدث علناً عن معاداة السامية، حيث أشادت علناً بمجزرة في كنيس في القدس بوصفها عملاً نبيلاً باسم “فلسطين وقضيتها”، ارتكبها “شهيدان”.
وبين عامي 2014 و2017، عبرت عن دعمها لقتل المدنيين اليهود غير المسلحين في إسرائيل، بمن فيهم الأطفال، ووصفت قاتليهم بأنهم “أبطال” شاركوا في “الجهاد“، وأشارت إلى الصواريخ التي تسقط على تل أبيب بأنها “موسيقى لآذاننا“.
في انتقادها لتنظيم “الدولة الإسلامية” في ديسمبر 2015، قالت مرقة: إنه إذا قام التنظيم “بطرد الإسرائيليين من الأرض المقدسة”، فإنها “ستنضم إلى صفوفهم”، حتى بعد تعليق عملها الأول في “دويتشه فيله” في أواخر عام 2021، استمرت مرقة في الإصرار على أن مقالاتها السابقة (المنشورة أصلاً في الموقع البريطاني “رأي اليوم”، حيث يرأس تحريره المعادي الشرس للسامية عبد الباري عطوان) كانت كلها ضمن إطار “الصحافة المهنية”.
إذا كانت ادعاءات محامي مرقة صحيحة، واختار القاضي الألماني بالفعل حل نزاع مرقة مع “دويتشه فيله” من خلال تأييد موقفها بالكامل، فإن هذا التطور يتناقض بشكل واضح مع تصريحات الحكومة الألمانية بشأن مأساة ميونيخ عام 1972. فهل من الممكن أن تكون الحكومة الألمانية الحالية تعبر عن ندم عميق على المعاملة التاريخية السيئة لضحايا ميونيخ الإسرائيليين وعائلاتهم، بينما تصدر المحاكم أحكاماً لصالح شخصية إعلامية احتفت مراراً بقتل المدنيين الإسرائيليين؟
تمويل ألمانيا غير الخاضع للإشراف بشكل كبير لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يشير أيضاً إلى موقف متناقض من قيمة حياة المدنيين الإسرائيليين. ووفقاً للخبيرة عينات ويلف، كانت الأونروا مسئولة عن خلق “أساس الوعي” الذي نشأ منه قتلة ميونيخ، وكذلك توفير البنية التحتية لمنظمتهم للعمل؛ وأضافت “هذا لا يزال صحيحاً حتى اليوم“.
وبشكل منفصل، فإن تمويل ألمانيا للنظام التعليمي الفلسطيني، الذي تصور فيه الكتب المدرسية هجوم ميونيخ كعمل مشروع من “المقاومة” ضد الصهيونية و”المصالح الصهيونية في الخارج”، يتناقض أيضاً مع قلق الحكومة المعلن بشأن حياة المدنيين الإسرائيليين. (انظر أبحاث مركز IMPACT-se للسياسات).
في كلتا الحالتين، تسهم أموال دافعي الضرائب الألمان في تخليد “حق العودة الفلسطيني” في أذهان الكثير من الألمان، مما يؤدي إلى نشوء أجيال مقتنعة فكريًا بأن جميع اليهود الإسرائيليين ليسوا مدنيين، بل عسكريين، استنادًا إلى الاعتقاد بأن دولة إسرائيل ليس لها حدود محددة أو أنها لا تلتزم بها.
وبالتالي فإن هذه النظرة إلى العالم – التي تصف المدنيين اليهود العزل بأنهم “مستعمرون”، “محتلون” أو “مستوطنون”، وبالتالي يعتبرون “هدفاً مشروعاً” – هي التي دفعت إرهابيي عام 1972 إلى قتل 11 رياضياً في الأولمبياد.
وهي نفس النظرة التي دفعت فرح مرقة، بعد 42 عاماً إلى كتابة الكلمات التالية عن مجزرة كنيس “هار نوف” التي راح ضحيتها خمسة مصلين وضابط شرطة:
“نحن كفلسطينيين من جنسيات وأصول مختلفة، يجب أن نتذكر أن الجهود الإعلامية الحقيقية تُبذل عندما يكرس شهيدان، مثل اللذين نفذا عملية القدس، أرواحهما معاً لتحرير تلك الأرض، وعندما يدب الرعب في نفوس المستوطنين، عندها لا يبقى للإعلام خيار سوى الحديث عن قضيتنا (الفلسطينية)، حتى لو خاننا جميع السياسيين.
الزغاريد التي أطلقتها شقيقة، عديّ الجمل، بأنفاس اختلط فيها الفرح مع الحزن المرّ على فراقه خلال البرنامج، هذه الزغاريد المختلطة بالدموع، هي التعبير الوحيد عنّي، هي التعبير الوحيد عن فلسطين وقضيتها، هذه الدموع والزغاريد هي التي ستسقط كل النظريات السياسية وعمليات السلام، هي التي لن تجعل للفلسطيني وطنا آمنا طالما هم في أرضنا، فالنساء ستظل تزغرد ألما، وسنظلّ نغني “بنرفض نحنا نموت” ليحيا شهداؤنا في السماء، زغردي يا مقدسيّة، فالقضيّة ستعود “الأساس” رغما عن أنف كلّ السياسيين”.
بدون محاسبة صحفية غير نادمة تعمل في وسيلة إعلام ممولة من المال العام على معاداة السامية والتحريض ضد المدنيين الإسرائيليين، إلى أي مدى يمكن اعتبار اعتذار ألمانيا المعلن عن تسامحها السابق مع الإرهاب الفلسطيني ذا معنى؟
أنظر إلى التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية.
