لم يمر أكثر من ستة أشهر على إنهاء هيئة الإذاعة البريطانية BBC، لعلاقتها بالكاتب الفلسطيني البريطاني عبد الباري عطوان، إلا وقامت قناة فرانس24 العربية، بدعم واستضافة هذا الكاتب المعروف بمعاداته الشديدة للسامية وتأييده الأعمى للإرهاب وعمليات التطهير العرقي. وتشير مصادر مطلعة في هيئة الإذاعة البريطانية BBC، في حديثها لصحيفة جويش كورينيكل البريطانية اليهودية، في وقت سابق العام الماضي، إلى أنه من غير المرجح أن تقوم الهيئة مرة أخرى بدعوة عطوان للظهور على شاشاتها، بعد أن كان عطوان يظهر وباستمرار عبر منصات هيئة الإذاعة البريطانية سواء باللغتين الإنجليزية أو العربية.
عموما لم يكن هذا الحظر لظهور عبد الباري عطوان عبر منصات BBC، له أي تأثير على توجهاته المتطرفة، فعلى سبيل المثال لم يرض أن يتطرق لقضية وقوع عدد من المواطنين البريطانيين ضحية للعمليات الإرهابية الفلسطينية القاتلة، ولم يغير رأيه في دعمه الحماسي للهجمات القاتلة التي تستهدف المدنيين الأبرياء العزل، لكنه ـ وعلى العكس ـ أعرب عن سعادته بالجريمة التي وقعت في السابع من إبريل عام 2023، رغم الوحشية المزدوجة التي اتسمت بها. (توضيح: في السابع من إبريل قتل عدد من المخربين الفلسطينيين السيدة لوسي دي، 48 عامًا، وابنتيها رينا، 15 عامًا، ومايا، 20 عامًا، بوحشية في منطقة غور الأردن، وكان أفراد العائلة مسافرين لحضور حدث عيد الفصح اليهودي، حيث فتح مسلحون النار على سيارتهن بالقرب من مستوطنة الحمرا، على بعد 16 كيلومترًا غرب نابلس).
بالإضافة إلى مقتل أحد السائحين الإيطاليين في إسرائيل، ويدعى أليساندرو باريني، حيث غرد قائلا عقب هذه الجريمة:
وأيضا احتفل عطوان، وبشكل مماثل، ببعض من جرائم القتل التي وقعت في شهر مارس عام ٢٠٢٣، التي استهدفت كلا من أور أشكار، في تل أبيب، والأخوين هاليل وياجيل يانيف في حوارة، حيث أشاد في فيديو له عبر منصة يوتيوب، وتم نشره بتاريخ ١٠ مارس، بالهجوم الناري على بار تل أبيب قائلاً: “يعني هذا أن الانتفاضة تتحول إلى ثورة، ثورة مسلحة، أعتقد أن الشعب الفلسطيني يتجه الآن نحو مرحلة استثنائية غير مسبوقة من المقاومة، وأعتقد أيضًا أن رمضان المقبل سيكون مليئًا بالمفاجآت، فهذا الشهر هو شهر التضحية والفداء”.
في المقابل، غرّد عبد الباري عطوان في التاسع من مارس قائلا:
وقد أدى الحظر الذي فرضته هيئة الإذاعة البريطانية BBC على استضافة عطوان، إلى عدم تفاعله بصورة كبيرة من خلال أحاديثه في قناة فرانس 24 الناطقة بالعربية، ويمكن القول بأن ظهوره على هذه الشاشة لم يكن له أي تأثير، وفي هذا الصدد يتضح أن قناة فرانس 24، الناطقة بالعربية، تنتهج نهجا أقل احترافية من بين جميع القنوات الناطقة باللغة العربية، التي يتم تمويلها من قبل دافعي الضرائب في الدول الغربية. عموما، بات واضحا مقدار التحريض الذي يروّج له عطوان في مختلف القضايا، وعلى سبيل المثال استضافت قناة فرانس ٢٤، عطوان للحديث عن وجهة نظره بشأن أزمة السودان، الأسبوع الماضي، وكان هذا هو أول ظهور له عبر هذه الشبكة، بعد فترة طويلة من الانقطاع، وقدمته المذيعة، رجاء مكي، بصفته رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم الإلكترونية الصادرة في لندن، دون الكشف عن أي شيء يتعلق بسجله الراديكالي المليء بالكراهية للآخر والمعادي للسامية.
يذكر أن عبد الباري عطوان، وخلال هذا الظهور، وعندما سُئل عن عدم القدرة على التوصل إلى حل سلمي في البلاد الإفريقية، حمّل اللوم على نقص الموارد الطبيعية، والانشغال الدولي بقضايا مثل أزمتي تايوان وأوكرانيا، كما تحدث بشكل غامض عن “القوى الدولية” التي تدعم الجانبين المتحاربين، إلى جانب القوى “الإقليمية” أيضا، ومع ذلك إذا قام أي من الملايين من المشاهدين الناطقين باللغة العربية لفرانس24، بالتحقق من مقالات عطوان في صحيفة رأي اليوم، فسيكتشفون نظريات المؤامرة المليئة بالكراهية في مقالاته وآرائه عبر منصة يوتيوب، والتي تنشرها الصحيفة بالتوالي، فقد حمل هذا المقال العنوان التالي: “كارثة جديدة مفتعلة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بتواطؤ من الأنظمة العربية”. وكتبت الصحيفة أيضا: السودان هو ضحية مؤامرة كبرى، النظام العسكري مسؤول ـ بلا شك ـ عن لعب دور كبير في تسببه في هذه الكارثة، فالصراعات السلطوية بين الجنرالات والقادة هي السبب وراء ذلك.
السودان هو ضحية مؤامرة كبرى، النظام العسكري مسؤول ـ بلا شك ـ عن لعب دور كبير في تسببه في هذه الكارثة، فالصراعات السلطوية بين الجنرالات والقادة هي السبب وراء ذلك.
وبالمثل، في افتتاحية باللغة العربية فقط نشرت بعد يوم من مقابلته مع فرانس 24، قال عطوان:
“الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الإسرائيلي لطرفي “حرب الجنرالات” في السودان للاجتماع في القدس تمزق الأقنعة عن الطرفين، كونهما عميلين لأمريكا ودولة الاحتلال[ أي. إسرائيل]، شركاء في مشروعها العنصري والاستعماري والتوسعي، ومعادون لكل ما اسمه عربي أو مسلم. […] لقد كانوا وما زالوا جزءاً من المؤامرة الأميركية الإسرائيلية، التي كان من أبرز أهدافها تفتيت الدول العربية. ولا نستبعد أن تكون المجازر التي ارتكبها كل منهما في دارفور محسوبة مسبقاً، في ظل تخطيط أميركي إسرائيلي لإضعاف السودان وتقسيمه إلى عدة دول، تماماً كما حدث في العراق.
من هنا يتأكد للجميع دون أي مواربة، أن صحيفة “رأي اليوم” وغيرها من الصحف الأخرى، مثل صحيفة القدس العربي، تتبنّى وجهات نظر معادية للسامية، كما تؤكد الصحيفة أن لديها شكوكا جادة حول ما إذا كانت قوات الجنجويد قد ارتكبت بالفعل مذابح ضد إخوانهم السودانيين المسلمين، مرجّعة هذه الشكوك إلى التوجهات المريبة المشكوك فيها لوسائل الإعلام والسياسيين الغربيين المبالغ بها، والساعية إلى تضخيم هذه الحوادث دون دليل”.
وتضيف الصحيفة قائلة:
“ها هي الأيام التي تكشف لنا الدور المزدوج الأمريكي – الإسرائيلي الذي أصبحنا الآن واثقين من أنه كان يدعم هذه المذابح سرًا، بالتعاون مع دولة تشاد؛ التي سارعت بفتح سفارة في تل أبيب”.
ووجهت الصحيفة انتقاداتها إلى بعض من الحكومات العربية قائلة:
“نشكك في العديد من الحكومات العربية بسبب صمتها المشبوه، ونؤكد أن الشعوب العربية والإسلامية ستهزم هذه المؤامرة الأمريكية – الإسرائيلية المشتركة، الساعية إلى إشعال الفتنة من الداخل، وسيواجه الشعب السوداني الأصيل هذه المؤامرة ويهزمها في النهاية، بعدما كشف هذا الشعب عن أهداف هذه المؤامرة الشيطانية التي تديرها إسرائيل، تمامًا مثل الشعب السوري الذي كشف بدوره عن تفاصيل هذه المؤامرة”.
إن النقطة الأساسية هي؛ أن عبد الباري عطوان، في معرض تعليقه على قضية السودان، عبر قناة فرانس 24، أنه زعم أن الأمريكيين والإسرائيليين المخادعين صمموا الفتنة السودانية لخدمة مصالحهم الخاصة. ويواصل عبد الباري مزاعمه قائلا: إن مذابح دارفور وقعت في ظل مؤامرة دولية، وهو ما يتفق وينسجم مع عالمه الخيالي الخاص المناهض للأمريكيين والإسرائيليين تحديدا. وبقراءة موضوعية سريعة، سيكتشف محررو قناة فرانس 24 باللغة العربية، نظرية المؤامرة التي يرددها ضيفهم، عبد الباري عطوان، عبر شاشتهم، وإذا كانوا قد أهملوا تلك الخطوة الأساسية من الالتزام بالبحث الجاد، فإن ذلك يعني بالوقت ذاته فشلهم في الوفاء بمسؤولياتهم الصحفية الأساسية وقواعد المهنة. وإن كانوا قد قاموا بهذه الخطوة البحثية، واكتشفوا آراء عطوان السلبية، فإنهم مذنبون بإخفاء آرائه الحقيقية عن جمهورهم. وفي ذروة كل هذا، هناك سؤال مفاده؛ كم من الوقت تستغرق قناة فرانس 24، لاحترام معاييرها الخاصة التي تحظر العنصرية والترويج للعنف، وتتوقف عن دعوة هذا الشخص المحرّض على الكراهية، والمروّج للمؤامرات المعادية للسامية؟
أنظر إلى التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية.
