مسيرة العودة الكبرى تصورها حركة حماس في قطاع غزة إعلاميًا بأنها امتداد للمقاومة السلمية الشعبية ضد الاحتلال “سلمية شعبية مليونية فلسطينية”. وبنفس الوقت تسوق أن هذه الفعاليات تهدف إلى رفع الحصار المفروض على غزة وإلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. أهداف نبيلة لا بأس بها تتزامن مع حلول الذكرى السنوية السبعين للنكبة الفلسطينية. ويخطط المنظمون من حركة حماس، بعد اكتشافهم “المفاجئ” لهذه الوسيلة الجديدة لتحقيق مآربهم، لمواصلة هذه الفعاليات حتى يوم النكسة في الرابع من حزيران يونيو الجاري.
أما الإعلام العربي، فور سماعه عبارة “مقاومة سلمية”، فانضم الى هذا الركب داعمًا ومؤيدًا له، إذ انه ولأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني وكأنه تركت الحركات الفلسطينية المختلفة، وخاصة من التيارات الإسلامية، سلاحها جانبًا ولجأت إلى الكفاح السلمي المحض شانها شأن مانديلا في جنوب إفريقيا وغاندي في الهند.
وما فتئ الإعلام العربي ينهمك في نقل تطورات ما يجري على حدود قطاع غزة يومًا بيوم ساعة بساعة والاستعدادات لتأجيج النيران من أسبوع الى أسبوع. بيد أن وسائل الاعلام العربية في تغطيتها لأحداث حدود غزة، وفي غمرة الانفعال والمشاعر الجياشة المنساقة وراء شعار المقاومة السلمية، نسيت او تناست أن تطرح بعض الأسئلة والقضايا الجوهرية التي برزت لكل عين تتأمل في تطورات الاحداث.
فالسؤال الأول الذي نطرحه هنا ولم يَحْظ باهتمام الإعلام العربي هو إذا كانت هذه الفعاليات تصبّ أصلاً في خانة المقاومة السلمية الشعبية. ترى، ماذا كان دور المسلحين من كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس وعناصر سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي الذين تواجدوا على الحدود بإيعاز من قياداتهم؟ هل أعلنت هاتان الحركتان المسلحتان المصنَّفتان على قوائم الإرهاب الدولي عن توبتهما توبة نصوحة وتراجعهما عن اتخاذ طريق العنف والكفاح المسلح والقتال وإلقاء سلاحهما جانبًا تعبيرًا عن اقتناعهما بأن الطريق الوحيد لتحقيق المطالب هو المقاومة السلمية؟ وإن فعلتا كذلك ألم يكن حريًا بوسائل الاعلام العربية كشف هذا التطور الخارق للعادة؟ فمن البديهي أن مثل هذا القرار سيفتح الطريق أمام المصالحة الفلسطينية المنشودة التي تُعتبر قضية “سلاح المقاومة” في غزة من أقوى العراقيل التي تعترض طريقها.
ثم وفي غمرة الأحداث، حتى وإن قبلنا الرأي بأن قرار التوجه الى المقاومة السلمية بديلاً عن المسلحة هو بالفعل قرار حقيقي، فقد أخفقت وسائل الإعلام العربية في طرح تساؤل آخر يتبادر الى الأذهان وهو لماذا التغني بالمقاومة السلمية في هذه الأوان بالذات؟ لماذا انتظر العرب عامة والفلسطينيون خاصة سبعة عقود أهدرتها على الكفاح المسلح الذي ذهب ضحيته الكثير الكثير من الضحايا عبثًا؟
ثم بقي سؤال مهم آخر يجب طرحه ومداولته ألا وهو إلى أين اختفت أهداف المسيرة المليونية؟ فتحدث المنظمون عن تحرك لملايين الفلسطينيين تجاه حدود إسرائيل من الأردن ومصر ولبنان وسوريا، إلا أن الأمر لم يتحقق على أرض الواقع، فيما بقي الإعلام العربي صامتًا دون مناقشة مصير هذه الاحتجاجات وأسباب انحصارها على غزة فقط؟
وفي نفس السياق، يتجاهل الإعلام العربي حقيقة تمويل الفعاليات على حدود غزة. فتشير التقارير إلى انه تم رصد عشرة ملايين دولار أمريكي لهذه الفعاليات تشمل إقامة الخيام قرب الحدود وتجهيز حافلات لنقل المشاركين وتقديم وجبات غذائية والاستعداد لحالات الطوارئ من خلال فتح عيادات متنقلة. ولم يبحث الإعلام العربي إعلان حماس أنها “ساندت عائلة كل شهيد بمبلغ 3000 دولار أمريكي وكل مصاب بجروح بليغة بمبلغ 500 دولار وكل مصاب بجروح متوسطة بمبلغ 200 دولار”. وعليه يجب التساؤل عن مدى مصداقية تغطية وسائل الإعلام العربية التي تتحدث يوميًا عن حصار غزة ومعاناة سكانه، ألم يكن حريًا بها أن تفرد مساحة لبحث مصدر هذه الأموال وجدوى استثمارها في فعاليات كهذه مقابل فرصة إغاثة الآلاف من المنكوبين داخل القطاع؟
هذه التساؤلات تحتاج الى دراسة عميقة ونعتقد أن دور الإعلام في طرحها وتناولها دور حاسم وبالغ الأهمية. غير أنه يبدو، لشديد الأسف، أن الإعلام العربي لا يلتزم بوظيفته الاستقصائية بل يكتفي بنقل تطورات أعمال الشغب التي تجري على حدود غزة ونقل عدد الضحايا لقياس فاعلية العمل دون الانتباه إلى مسائل جوهرية.
مقالات ذات شأن