في يوليو/ تموز 2019، نشرت صحيفة ذا غارديان رسالة قيل إنه تم توقيعها من قبل أكثر من 100 “عضو بارز في المجتمع اليهودي”، وهي الرسالة التي تتعلق بأزمة معاداة السامية التي كانت تعصف بحزب العمال البريطاني،. عموما لم تنتقد الرسالة المعاداة للسامية نفسها، بل وجهت الانتقاد لأولئك الذين يثيرون المخاوف بشأن المشكلة، حيث تم تصوير معارضي معاداة السامية على أنهم الأشرار الحقيقيون، واتهم الموقّعون على الرسالة المجتمع اليهودي البريطاني بصورة رئيسيه وحلفاءه باستخدام قناع مكافحة معاداة السامية “لتقويض قيادة حزب العمال وليس فقط ذلك، بل أيضًا تقويض جميع الأعضاء المؤيدين لفلسطين”.
في يوليو/تموز 2019 أيضًا، حذفت صحيفة “ذا غارديان” نص الرسالة من موقعها الإلكتروني، واتضح أن الموقّعين عليها شملوا شخصيات ذات طابع معادي ومتشدّد للسامية. ومدافعين عن معادين متشددين للسامية، ومتعاونين مع معادين متشددين للسامية، وعدد آخر من غير اليهود ممن يتظاهرون بأنهم يهود، وأشخاص يدّعون التحدث باسم منظمات محترمة دون تفويض. أحد الموقعين، وهو مايكل مورغان، كان قد اتهم اليهود سابقًا بالتحرش بالأطفال، ولوم الحروب على الممولين اليهود، واتهم اليهود بقتل المسيح، وسخر من طرد اليهود، ووصف الصهاينة بالحيوانات التي يجب القضاء عليها، كان هذا فشلًا ذريعًا، أو بحسب العبارة التي صاغتها ذا غارديان، كانت هناك “أخطاء في قائمة الموقعين المقدمة للصحيفة”.
سمحت ذا غارديان للأشخاص الذين نشروا ودافعوا عن معاداة السامية أو أنكروها بالتحدث نيابة عن المجتمع اليهودي في هذا الموضوع.
كان من المتوقع أن يترك الحادث لدى محرري ذا غارديان شعورًا بالندم، فقبل نشر رسالة أخرى توجه محاضرة للجالية اليهودية حول معاداة السامية، من المؤكد أنهم كانوا سيتوقفون، إن لم يكن لفترة طويلة، على الأقل بما يكفي للتحقق من أن الموقعين لديهم مصداقية وسلطة في هذا الموضوع، لكن ذا غارديان سمحت لأشخاص قاموا بنشر، والدفاع عن، وإنكار معاداة السامية بالتحدث نيابة عن الجالية اليهودية في هذا الموضوع.
أو ربما لا. في 29 نوفمبر/ تشرين ثان 2020، بعد نحو عام ونصف العام من الرسالة الفاشلة التي نشرتها ذا غارديان، نشرت الصحيفة رسالة مشابهة من “122 أكاديميًا وصحفيًا ومثقفًا فلسطينيًا وعربيًا”، التي هاجمت مرة أخرى أولئك الذين يقودون الكفاح ضد معاداة السامية. ركزت هذه الرسالة انتقادها على التعريف العامل لمعاداة السامية الذي اعتمدته رسميا “رابطة تذكّر الهولوكوست الدولية” (IHRA)، وهو التعريف الذي تم تأييده من عدد من الدول والمنظمات.
ومثلما في الرسالة السابقة، اقترحت الرسالة الجديدة أن هذا التعريف لمعاداة السامية، الذي وضعه خبراء يهود، يُستخدم كـ “إستراتيجية” لإلحاق الضرر بالفلسطينيين.
وقد تعاملت مؤسسة كاميرا وتحديدا فرعها في المملكة المتحدة مع محتوى الرسالة الثانية في مكان آخر. هنا، وبمساعدة القسم العربي في المؤسسة ، وبإلقاء نظرة فاحصة على بعض الموقّعين على الرسالة تم الكشف أنه، ومرة أخرى، سمحت ذا غارديان للأشخاص الذين نشروا ودافعوا عن معاداة السامية أو أنكروها بالتحدث نيابة عن المجتمع اليهودي في هذا الموضوع، واتهام أولئك الذين يشعرون بالقلق الحقيقي بشأن معاداة السامية بالفساد.
موقّعو رسالة ذا غارديان كانوا قد اتهموا اليهود سابقًا بالولاء المزدوج؛ وباستخدام سيطرتهم على وسائل الإعلام والبنوك للتلاعب بالآخرين؛ وبـ “التذمر” بشأن الهولوكوست، والترويج لـ “حكايات خرافية” عن الحل النهائي؛ وكونهم جزءًا مما وصفوه بــ”الديانة المدللة”، حيث كانوا قد احتفلوا بالإرهابيين الذين استهدفوا وقتلوا مدنيين يهودًا أبرياء، كما أنهم برروا أولئك المسئولين عن معاداة السامية البغيضة، بما في ذلك الادعاء بأن اليهود يستخدمون دماء المسيحيين في طقوسهم، وإنكار الهولوكوست، والدعوات إلى “قتل اليهود”.
معاداة السامية
صبحي حدّيدي: اليهود غير مخلصين لبلدانهم الأصلية
أحد الموقّعين، ويدعى صبحي حدّيدي، برر اضطهاد اليهود الذين يعيشون في العالم العربي من خلال التأكيد على أن طردهم كان يبرز “حقيقة أعلى”: أن اليهود غير مخلصين ومنغلقين.
في صحيفة القدس العربي، التي تصدر من لندن، اعترض حديدي على انتقاد المؤرخ، جيفري ألدرمان، للتطهير العرقي لليهود من البلدان العربية، حيث يبدو أن ألدرمان قد وضع اللوم في المكان الخطأ، فقد كتب الحديدي أن عمليات الطرد كانت “حالة نموذجية لحقيقة أكبر: فشل معظم المجتمعات اليهودية في الاندماج في أي ثقافة وطنية، وعدم رغبتها في الوفاء بمعايير عالية أو كافية من المواطنة والمشاركة في المجتمع، ورفع ولائها لإسرائيل، حتى قبل أن تولد، فوق كل الولاءات”.
ويقول حديدي في مقاله نصا ما يلي: وألدرمان لم يتورّع عن الجزم بأنّ أسوأ أحداث التطهير العرقي، التي شهدتها الأزمنة الحديثة، هي تلك التي تعرّض لها اليهود في «الأراضي العربية»، متجاهلاً – وهو المؤرّخ، في نهاية المطاف – أنّ الحقيقة عكس ذلك الجزم الأخرق، بل هي نموذج صارخ على حقيقة أخرى كبرى: عجز معظم الجاليات اليهودية عن الاندماج في أية ثقافة وطنية، والعزوف عن بلوغ درجة عالية أو كافية من حسّ المواطنة والمشاركة المجتمعية، ورفع الولاء لإسرائيل، حتى قبل أن تولد، فوق كلّ ولاء.
اتهام الولاء المزدوج هو شيء مألوف بالنسبة ل”حديدي”. بعد أن انتقد السفير الأمريكي في إسرائيل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بسبب قوله: إن الهولوكوست تم تحريضه بسبب الدور اليهودي في المجتمع – “الربا والمصارف وما إلى ذلك” – أصر حديدي على أن السبب الحقيقي لانتقاد السفير هو أنه “يهودي قبل أن يكون أمريكيًا”.
ويقول حديدي في مدونته الشخصية نصا ما يلي: لكنّ التعقيب الأشدّ نذالة على العبارة لم يأتِ من رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، كما يحثّ المنطق البسيط، بل من سفير الولايات المتحدة لدى الكيان، دافيد م. فريدمان. السلوك النذل لم يقتصر، هنا، على تشويه محتوى العبارة، أو تعمّد إساءة ترجمة هذه المفردة أو تلك، أو تجريد عباس من صفته الرئاسية وتسميته بـ”أبو مازن”؛ بل في أنّ ديبلوماسياً يمثّل القوّة الكونية الأعظم لا يتدخل في الأمر بصفته هذه، بل في أنه يهودي قبل أن يكون أمريكياً، أو سفيراً!
كما وصف اليهودية بشكل عام بأنها ديانة مدللة، قائلًا: “ديانة مدللة للغاية على مستوى العالم”. حيث قال نصا: يهود سوريا ليسوا “جماعة” فقط، بل هم أتباع ديانة أيضاً، وديانة مدللة جداً، على نطاق كوني.
ورغم هذا التاريخ من معاداة السامية الصارخة، فقد شعرت صحيفة الغارديان أنه من المناسب له أن يوجه القراء إلى ما هو مناسب وما هو غير مناسب للغة عن اليهود.
محمد اليحيائي: “آلة الإعلام اليهودية” تسيء إلى الهولوكوست
ليس الحديدي الحارس الوحيد الذي يبدو مريبًا.
محمد اليحيائي، وهو أحد الموقّعين على الرسالة، ألقى باللوم على “آلة الإعلام اليهودية” لزرع الشعور بالذنب في أذهان الأوروبيين بشأن الهولوكوست. ويقول اليحيائي في تغريده له: “مثلما نجحت الماكينة الإعلامية اليهودية في زرع عقدة ضمير مزمنة في الوعي الأوروبي حيال المحرقة”.
علي فخرو: “التذمر” اليهودي بشأن الهولوكوست يشمل الأكاذيب والحكايات الخيالية والمبالغات
لقد ذهب علي فخرو، وهو من أنصار نظرية المؤامرة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، إلى أبعد من ذلك في مثل هذه الحجج، فإذا أصر شريكه في التوقيع على البيان حديدي، على أن اضطهاد اليهود في العالم العربي هو خطأ اليهود أنفسهم، فقد نفى فخرو بشكل قاطع حدوث أي سوء معاملة من هذا القبيل، وكتب في صحيفة القدس العربي عن “ادعاء صهيوني زائف بأن اليهود العرب تعرضوا للاضطهاد”.
وكما اتهم شريكه في التوقيع، علي اليحيى، اليهود بإدارة وسائل الإعلام وإساءة استخدام الهولوكوست، فقد فعل فخرو نفس الشيء، حيث توسع في الحجة من خلال إثارة الشكوك حول تأريخ الهولوكوست.
ردًا على إدانة أحد منكري الهولوكوست في ألمانيا، انتقد فخرو “الإعلام الصهيوني والأخطبوط المالي، الذي نجح بشكل مذهل في ابتزاز ضمير المجتمعات الغربية وإلقائها في حفرة من الشعور بالذنب والخوف والتسول المذل”، ربما يكون فخرو متحمسًا جدًا لإدانة منكر الهولوكوست، لأنه يراه كروح قريبة، جادل في مقالته بأن اليهود ليسوا مذنبين بالابتزاز بكل ما يفعلونه من ثرثرة حول الهولوكوست فحسب، بل إنهم أسوأ من ذلك، ابتزاز يعتمد على “الأساطير والمبالغات ودموع التماسيح”، حيث جادل فخرو بأننا بحاجة إلى “كشف الأكاذيب والحكايات الخيالية التي يستخدمها الصهاينة لابتزاز العالم”.
ويحرص فخرو على الإشارة إلى أنه كان هناك بالفعل ما يسمى بالهولوكوست، لكن أيًا كان ما ينطوي عليه الأمر في الواقع، فإنه لم يكن سيئًا بقدر ما يفعله اليهود اليوم، فقد كتب أن “الهولوكوست الصهيوني النازي في أراضي فلسطين المحتلة أسوأ من” معاملة النازيين لليهود. وأضاف، أن أحفاد الناجين من الهولوكوست “ليس لديهم الحق في التحدث بشكل انتهازي ووقح” عن معاداة السامية والهولوكوست، لأنهم يرتكبون جرائم مماثلة اليوم في جميع أنحاء الأراضي العربية والإسلامية، “بطريقة أكثر وحشية وإرهابًا” من النازيين، وهذا يقودنا إلى دافعه إلى التوقيع على هذا البيان.
في رسالة الغارديان، يريد فخرو أن يُعلم العالم أنه رغم أن اليهود “يتذمرون” من الهولوكوست، فإنهم في الواقع النازيون الجدد:
“تذمر اليهود بشأن حادثة تاريخية انتهت، وما يفعلونه اليوم مع الضحايا الفلسطينيين، يجب أن يكون موضوع حملة عربية موجهة إلى العالم الغربي”.
وفي ظل هذه الخطابات الكريهة، من السهل أن نغفل أن فخرو لا يفهم، أو على الأقل لا يريد لقرائه أن يفهموا، حتى تعريف معاداة السامية، فقد تمت صياغة الكلمة منذ قرون لوصف العداء لليهود، ولا تزال تعني نفس الشيء اليوم، لكن فخرو أعاد تعريف المصطلح تمامًا عندما اتهم الصهاينة بـ “معاداة السامية ضد العرب والمسلمين في كل مكان”.
باختصار، الرجل الذي قدّمته الغارديان كسلطة في موضوع معاداة السامية لم يقتصر على وصف الروايات اليهودية عن الهولوكوست بأنها “حكايات خرافية”، ولم يقتصر على التورط في قلب الحقائق حول الهولوكوست، وهو الاتهام بأن اليهود هم النازيون الجدد، وهو ما وصفته ديبورا ليبشتات بأنه شكل من “الإنكار الناعم للهولوكوست”، الذي “يقلل بمقدار زيلون ما فعله الألمان”، بل يبدو أنه غير مدرك حتى للمعنى الأساسي لمعاداة السامية.
الأخضر الإبراهيمي: المزيد من عكس أحداث الهولوكوست والسيطرة اليهودية
كان الأخضر الإبراهيمي، أحد الموقعين على رسالة الجارديان، يغازل فكرة عكس أحداث الهولوكوست عندما يردد الاتهام بأن إسرائيل وضعت سكان غزة في “معسكرات الاعتقال”، ومثله كمثل العديد من الموقعين معه، يرى أن القوة اليهودية تسيطر على حكومات العالم، ويتهم “اللوبي اليهودي” و”اللوبي الصهيوني” – وهو يستخدم المصطلحين بالتبادل – بـ”السيطرة الحقيقية” على السياسة الأمريكية.
حسن نافعه: اليهود ليسوا من يهودا، بل من اليمن؟
وفي الوقت نفسه، روّج حسن نافع، أحد الموقعين معه، لنسخ ملفقة من التاريخ اليهودي عندما استشهد في معرض مقال له نشر في صحيفة الأهرام ويكلي المصرية الحكومية بتصريحات “باحث” زعم أن القدس التوراتية لم تكن في الأرض المقدسة، بل في اليمن.
كما سعى نافع إلى إثارة غضب القراء من خلال الترويج لأكاذيب عن اليهود، وفي مقال نشر في أغسطس/ آب 2019، ادعى أن اليهود الذين زاروا الحرم القدسي لقضاء عطلة تيشع باف اليهودية، قاموا بأعمال عنف ضد المصلين المسلمين، وأصر على أن “المستوطنين اليهود اقتحموا الموقع واعتدوا على المصلين، ونشروا الرعب والفوضى في كل مكان”، وقد استُخدمت مثل هذه الادعاءات في كثير من الأحيان للتحريض على الهجمات على اليهود.
ويقول نافعة نصا: اقتحم أكثر من 1000 مستوطن يهودي باحة المسجد صباح الأحد الماضي، وراحوا يعتدون على المصلين وينشرون الرعب والفوضى في كل مكان، لكن بحسب وكالة أسوشيتد برس، فإن اليهود هم من تعرضوا للهجوم، فقد ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن “أعدادًا كبيرة من الفلسطينيين تجمعوا عند أبواب المجمع في وقت مبكر من صباح الأحد، بعد انتشار شائعات مفادها؛ أن الشرطة ستسمح للزوار اليهود بدخول الموقع”، وأضافت الوكالة أن “المحتجين هتفوا “اللـه أكبر” وألقوا الحجارة على الشرطة”، التي ردت بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وعندما سُمح لليهود بالزيارة، “بدأ المصلون المسلمون في إلقاء الكراسي وغيرها من الأشياء على المجموعة، وغادر الزوار اليهود المجمع بعد ذلك بوقت قصير”.
كما زعم نافعه أن كل حكومة إسرائيلية منذ تأسيس البلاد حتى اليوم أصرت على “إعادة بناء “هيكل سليمان” على أنقاض المسجد الأقصى”، وهو ادعاء سخيف تم استخدامه تاريخيًا لإثارة العنف ضد اليهود.
ويقول نافعة أيضا مختتما مقاله: “إسرائيل، سواء حكمها بن غوريون أو أشكول أو رابين أو نتنياهو، كانت وما تزال تصر على ضم كل ما تعتقد أنه أراض «توراتية» وعلى إعادة تشييد «هيكل سليمان» على أنقاض المسجد الأقصى. فهل العرب مستعدون؟ ومتى يفيقون ويستوعبون درس التاريخ؟”
حول العنف ضد اليهود
لقد دافع آخرون من الموقعين على رسالة ذا غارديان عن قتلة المدنيين اليهود، أو حتى أعربوا عن دعمهم للقتلة.
رنا بركات: المذابح المعادية لليهود عام 1929 كانت “مقاومة”
على سبيل المثال، قامت، رنا بركات، أخيرًا بطرح دفاع مفصل عن أولئك الذين قادوا الهجمات الوحشية على اليهود أثناء المذابح المشينة عام 1929 في القدس والخليل وصفد. وقد وصف المفوض السامي البريطاني في ذلك الوقت الهجمات العربية، التي أوْدت بحياة 133 يهوديًا، بأنها “جرائم قتل وحشية ارتكبت ضد أفراد عزل من السكان اليهود بغض النظر عن العمر أو الجنس”، هذا صحيح، لكن في تخفيفها لموقف أولئك المدانين بالمشاركة في موجة القتل، وتحديدًا ثلاثة فلسطينيين حُكم عليهم بالإعدام لما وصفه البريطانيون بـ”جرائم قتل وحشية بشكل خاص”، حرصت بركات على تجنب كلمة مذبحة، وأخفت تمامًا السياق الشامل للهجمات العربية العشوائية على الأحياء والمنازل اليهودية.
لكن بدلًا من ذلك، أشارت إلى المذابح التي تعرض لها الرجال والنساء والأطفال اليهود باعتبارها “مقاومة”، وذكرت أن زعماء الهجمات أصبحوا “شهداء”، ورثت إداناتهم باعتبارها جزءًا من “تجريم المقاومة”، ورغم أن المقال كان ينتقد بحرية المحاولات البريطانية “الوحشية” لإنهاء المذابح، و”الاستفزازات” اليهودية التي سبقت الهجمات، فإن المؤلفة لم تستطع أن تدخر كلمة واحدة من النقد للمذابح الجماعية لليهود الأبرياء.
حيدر عيد: لحن موسيقيّ لقاتل السبعينيين
في حين اتخذ دفاع رنا بركات عن المذنبين بارتكاب جرائم كراهية معادية لليهود شكل ورقة أكاديمية، لم يكلف البروفيسور حيدر عيد، وهو أحد المشاركين في كتابة رسالة صحيفة ذا غارديان، نفسه عناء مثل هذه الشكليات، وبدلًا من ذلك، قدم هذا الأستاذ المحاضر والذي يعيش في قطاع غزة أغنية لإحياء ذكرى فلسطيني قتل مدنيين يهود.
دخل المهاجم، بهاء عليان، حافلة مدينة القدس ومعه شريك له، وقتل ثلاثة يهود، بما في ذلك رجل يبلغ من العمر 78 عامًا، وآخر يبلغ من العمر 76 عامًا، قبل أن يطلق عليه رجال الأمن في إسرائيل النار، وتم تحويل تكريم عيد للقاتل إلى مقطع فيديو موسيقي، وتم تحميله على الإنترنت بواسطة منظمة أسسها عيد ذاته.
كما استخدم عيد لهجة مشئومة بشأن مصير اليهود في إسرائيل في المستقبل، وكتب على فيسبوك: “سندفن الصهيونية عاجلًا أم آجلًا”، وعندما يحدث ذلك “سوف يتوسل إلينا العالم أن نكون كرماء ورحماء”. فهل سيظهرون الرحمة؟ لقد تجنب قول ذلك، بل اقترح بدلًا من ذلك أن المهزومين يستحقون كل ما سيحل بهم، واختتم حديثه فجأة قائلًا: “إن الصهاينة ليسوا على الإطلاق من ذوي الرحمة!”.
فواز طرابلسي: تكريم قاتل أطفال
اختار فواز طرابلسي، أحد المشاركين في التوقيع، إرهابيًا سيئ السمعة بشكل خاص لتكريمه باعتباره “شهيدًا”.
يُعرف سمير القنطار في إسرائيل بتسلله إلى البلاد، وخطف فتاة تبلغ من العمر 4 سنوات، وقام بإطلاق النار على والدها أمام عينيها، وضربها حتى الموت، وفي وقت لاحق، روت الأم والزوجة: “لقد حطم جمجمة ابنتي الصغيرة بعقب بندقيته على صخرة”، لكن بعد مقتل القنطار لاحقًا في هجوم صاروخي أثناء عمله مع جماعة حزب اللـه الإرهابية، أصر طرابلسي على أنه يجب اعتباره “شهيدًا للمقاومة الوطنية اللبنانية”.
إلياس خوري: كانت موجة الإرهاب “مغامرة بطولية رائعة للغاية”
وقد قدم إلياس خوري، أحد الموقعين على البيان، تحية أكثر دفئًا لـ”دلال المغربي”، وهي إرهابية شاركت في “مذبحة الطريق الساحلي” عام 1978، أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ إسرائيل، لقد تسللت المغربي إلى إسرائيل من لبنان كجزء من فرقة إرهابية أكبر، وأشعلت المذبحة عندما قتلت، جيل روبين، وهي مصورة أمريكية كانت تلتقط صورًا للطبيعة على الشاطئ، ثم اختطف الإرهابيون حافلتين، وفتحوا النار وألقوا قنابل يدوية على السيارات المارة، واشتبكوا في تبادل لإطلاق النار مع ضباط الشرطة الإسرائيلية الذين أوقفوا الحافلة، وفي المجموع، أودى الهجوم بحياة 38 مدنيًا من بينهم 13 طفلًا.
لكن خوري أصر على أن المغربي يجب أن تُشاد بـ”أخلاقها الثورية العالية”، وأن يُنظر إليها باعتبارها “منارة نور”، إنها “وردة فلسطين” التي شاركت في “أروع مغامرة بطولية في تاريخ المقاومة”، كما كتب في مكان آخر، واصفًا الهجوم المميت بأنه “درس يجب أن نتعلم منه ونستلهم منه”.
إغفال معاداة السامية
إن بعض الموقعين على العريضة، باعتبارهم من غير اليهود الذين يريدون من العامة أن يصدقوا كلامهم، فيما يشكل في واقع الأمر معاداة للسامية، أظهروا لا مبالاة ملحوظة بالخطاب المعادي لليهود.
لقد دافعت “ليلى شهيد” عن قناة المنار، وهي محطة تلفزيونية دعائية تابعة لحزب اللـه، قائلة: إنها “لم تلاحظ الكراهية في البرامج”، وجاء تعليقها بعد شهر واحد فقط من اتهام المحطة “للصهاينة” بنشر مرض الإيدز في مختلف أنحاء العالم العربي، وبعد عدة أشهر من تصويرها لليهود على أنهم يتآمرون لحكم العالم واستخدام دماء الأطفال المسيحيين في خَبْزِ خُبْز الفصح.
على نحو مماثل، أصر أحد الموقعين على العريضة، رجا شحادة، أخيرًا على أنه من “السخافة” أن نزعم أن نظام التعليم الفلسطيني يعلم الناس الكراهية تجاه اليهود، وقال: “هذا ليس صحيحًا”.
ولكن المنهج الفلسطيني يتضمن كتابًا مدرسيًا للصف الخامس يصف اليهود بأنهم “أعداء الإسلام”، ويصور كتاب مدْرسيّ للصف السابع اليهود على أنهم منحرفون جنسيًا ينتهكون حرمة النساء المسلمات بالحكاية القبيحة التالية مثل هذه الحكاية:
“جلست امرأة مسلمة بجوار صائغ يهودي في سوق بني قينقاع، فعقد الصائغ طرف ثوبها إلى ظهرها وهي لا تشعر، فلما قامت انكشفت سواتها، فضحك اليهود منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وهجم اليهود على المسلم فقتلوه”.
هل يريدنا شحادة أن نصدق أن هذه ليست كراهية؟
إن صبحي حديدي، الذي كتب أن اليهود مدللون ومذنبون بالولاء المزدوج، لا يعتبر حتى أن مراجعة الهولوكوست معادية للسامية. في منشور موجود في مدونته نشر عام 2018، أصر الحديدي على أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس “هو آخر شخص يمكن أن تُنسب إليه معاداة السامية”. ولتبرير عباس، أشار الحديدي بشكل لا يصدق إلى مقابلة دافع الرئيس الفلسطيني فيها عن أطروحته للدكتوراه، التي نفى فيها استخدام غرف الغاز لقتل اليهود، وجادل بأن الرقم ستة ملايين يهودي قتلوا كان “كذبة رائعة”، وأشار إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أقل من مليون، وفيما يلي كلمات عباس من المقابلة كما رواها حديدي:
“كتبت بشكل مفصل عن الهولوكوست، وأشرت أنني لا أريد الدخول بالأرقام والأعداد، واقتبست جدالاً بين مؤرخين حيث قال أحدهم إن العدد 12 مليون ضحية وقال آخر إن العدد وصل الى 800 ألف. لا توجد لدي رغبة في نقاش الأعداد، هذه جريمة لا تغتفر ضد الشعب اليهودي وضد الإنسانية. الهولوكوست أمر فظيع، ولا يستطيع أحد القول إنني أنكرت الهولوكوست”.
مرة أخرى: أشار الحديدي، الذي اعتبرته صحيفة الغارديان مرجعًا في معاداة السامية، إلى تحريف عباس للمحرقة كدليل على أن الرجل ليس معاديًا للسامية.
وكان المشارك في التوقيع، خالد الحروب، يهدف إلى تحقيق أهداف أعلى، مما يلقي بظلال من الشك على معاداة السامية لأحد أشهر معادٍ السامية في العالم العربي، أمين الحسيني. الحسيني، “المفتي الأكبر” الفلسطيني، تحالف مع النازيين، والتقى بأدولف هتلر، وكان مقربًا من هاينريش هيملر، خلال فترة المحرقة، حيث كان يقيم في برلين، ويبث عبر موجات الراديو القصيرة دعاية بغيضة معادية لليهود، وقال على الهواء إن اليهود “يعيشون كالإسفنج بين الشعوب، يمتصون دماءهم، ويستولون على ممتلكاتهم، ويقوضون أخلاقهم”.
وتضمنت برامجه الإذاعية دعوات صريحة إلى الإبادة الجماعية: “اقتلوا اليهود أينما وجدتموهم”، هكذا قال الحسيني لمستمعيه في العالم العربي، وفي خضم الحل النهائي، مارس ضغوطًا لمنع الأطفال اليهود من الوصول إلى فلسطين للهروب من الموت المؤكد في أوروبا النازية.
لكن الحروب استخف بكل هذا، وفي مقالة دحضت (بشكل صحيح) فكرة أن الحسيني أقنع هتلر بإبادة اليهود، مضى حروب في إثارة الشك حول العلاقات الحميمة بين الحسيني والنازية من خلال الكتابة عن تحالف “مزعوم” بين الحسيني وهتلر، مشيرًا إلى المشاورات “المفترضة” بين الحسيني والقادة النازيين، وملمّحًا إلى براءة الحسيني من خلال القول، من أجل الجدل وحده، إنه “حتى لو افترضنا” أن الحسيني أيّد إبادة اليهود، فلن تكون لذلك أي أهمية تذكر للتاريخ.
في واقع الأمر، لم يؤيد الحسيني الإبادة الجماعية فحسب ــ فقد قال في خطاب ألقاه عام 1943 موافقًا: “قررت ألمانيا إيجاد حل نهائي للتهديد اليهودي، الذي من شأنه أن ينهي هذه المحنة في العالم”، بل كما أشرنا أعلاه، دعا هو نفسه إلى إبادة اليهود، وفي دفاعه المفصل عن الحسيني، بدا الحروب غير منزعج على الإطلاق من معاداة المفتي للسامية. بل على العكس من ذلك، فقد ألمح إلى أن الزعيم الفلسطيني بريء من خلال وصفه، في أشد الانتقادات التي يمكنه حشدها، بأنه “ساذج”، وزعم زورًا أن التداخل في القيم بين الحسيني والنازيين كان يقتصر على المعارضة المشتركة للبريطانيين، وكان الحسيني قد أوضح خلاف ذلك، بما في ذلك عندما صرح بأن “الإسلام والاشتراكية الوطنية يقتربان كثيرًا من بعضهما بعضا في النضال ضد اليهود”.
وهذا ليس المثال الوحيد على عدم اكتراث الحروب بمعاداة السامية. إن هذا الرجل وبعض الموقعين الآخرين على رسالة الغارديان – إلياس خوري، وعلي فخرو، وجيلبرت أشقر – من كتّاب الأعمدة المتكررين في صحيفة القدس العربي، التي تنشر بانتظام رسومًا كاريكاتورية معادية للسامية بشكل صارخ.
ومن الأمثلة الأخيرة على ذلك ما يصور التقارب بين الدول العربية وإسرائيل باعتباره خيانة لنص ديني إسلامي يدعو إلى قتل اليهود. (ويقول النص: “وسوف تصرخ الصخور والأشجار: يا مسلم، يا عبد اللـه، هناك يهودي يختبئ خلفي، تعال واقتله”).
ظهرت مقالات آشكار في أكثر من مناسبة بجانب كاريكاتيرات تُظهر، في تكرار للصور النمطية القديمة المعادية لليهود، نتنياهو كـ”عروس دمية” تتحكم في الرئيس الأمريكي، هل اعترض الموقعون على هذه الكاريكاتيرات بنفس القوة التي اعترضوا بها على تعريف معاداة السامية من التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست؟ هل اعترضوا على الإطلاق؟
ليس من الصعب أن نفهم لماذا يريد العديد من الموقعين التحكم في تعريف معاداة السامية، وتشويه سمعة أولئك الذين يحاربون الكراهية باعتبارهم ينتهجون “حيلة” سيئة النية، فمن بين صفوفهم أشخاص اتهموا اليهود علنًا بعدم الولاء لبلدانهم، والتلاعب بالعالم من خلال “آلة إعلامية يهودية”، و”التذمر” و”الكذب” بشأن الهولوكوست، والتصرف بشكل أسوأ من النازيين؛ فهم أشخاص وصفوا مذبحة اليهود الأبرياء في عام 1929، بأنها “مقاومة”، وقاتل فتاة يهودية تبلغ من العمر أربع سنوات بأنه “شهيد”، وغنوا أغنية تذكارية لقاتل يهود في السبعينيات من العمر، ووصفوا قاتل يهودي أمريكي وعشرات الأطفال الإسرائيليين بأنه “منارة نور”؛ إن هؤلاء الذين دافعوا عن محطة تلفزيونية أحيت فرية الدم المعادية لليهود، ودافعوا عن التحريض المعادي لليهود في الكتب المدرسية، ودافعوا عن مراجعة الهولوكوست، وتجاهلوا الرجل الذي دعا الناس إلى “قتل اليهود أينما وجدوهم”.
من الواضح أن مصلحتهم تتلخص في تشويه سمعة أولئك الذين قد يسلطون الضوء في نهاية المطاف على مساهماتهم في “الكراهية الأقدم”.
ربما يتعين على محرري صحيفة الجارديان أن يشرحوا لنا ما الذي يدفعهم، سنة بعد سنة، إلى فتح صفحاتها ومنصاتها لمثل هؤلاء الناس.
أنظر إلى التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية.