للمرة الثانية في أقل من ستة أشهر، يقوم مراسل “إندبندنت عربية” (وهي شراكة بين صحيفة “إندبندنت” البريطانية والمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق) في الضفة الغربية بالتحذير من “مخطط إسرائيلي” يهدف إلى “تهويد القدس” من خلال “حدائق توراتية”.
كما سوف نوضح فيما بعد، ينفي الصحفي خليل موسى وجود أي علاقة تاريخية لليهود بالقدس.
هذا هو عنوان مقال نشر له في أكتوبر/تشرين الأول 2020:
إسرائيل تحاول إثبات ارتباطها بالقدس من خلال “حدائق توراتية”
أما عن أخر تقرير صدر له، ويعود إلى مارس/آذار 2021، فيقرأ على النحو التالي:
رفض فلسطيني وأردني لمشروع حدائق إسرائيلية في القدس
[…]تعتزم إسرائيل إقامة حدائق توراتية ”
والجدير بالذكر هنا أنه على الرغم من تنوال المقالين لنفس الموضوع، أي قضية “الحدائق التوراتية” وتصويرها على أنها مشروع كبير ومخطط صهيوني يهدف إلى الاستيلاء على القدس وخلق صلة بين المدينة واليهود، إلا أن هناك تعارض كبير وتناقض بين التقريرين (بالامكان قراءتهما في أخر المقال). حيث أن كل واحد منهما يعرض المشروع بصورة مختلفة ويسرد تفاصيل متعارضة (مساحة وموقع الحدائق، مدة العمل في المشروع، إلخ):
أكتوبر/تشرين الأول 2020
“ومن تلك الوسائل لخلق “جذر تاريخي” في القدس، إقامة حزام من “الحدائق التوراتية” حول أسوار البلدة القديمة للمدينة”
[…]ومنذ ثماني سنوات، بدأت إسرائيل بإقامة سلسلة الحدائق تلك، واستكملت بناء خمس من أصل سبع تخطط لإنشائها”
[…]وبحسب الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب، فإن “الحدائق التوراتية تُعتبر جزءاً من المناطق الخضراء حول البلدة القديمة للقدس، والتي تبلغ مساحتها خمسة كيلومترات مربعة، ويحظر البناء فيها”.
[…]وتلتف تلك الحدائق حول البلدة القديمة من بلدة سلوان إلى باب الخليل وجبل الطور وحتى جبل المشارف.
ويرى خبير الخرائط خليل تفكجي أن “إسرائيل وبهدف السيطرة على الأراضي تُضفي بعداً دينياً لما تسمّيه “الحوض المقدس” في محيط البلدة القديمة على مساحة 2.5 كيلومتر مربع، […]ويشير تفكجي إلى أن “إقامة المناطق الخضراء في القدس يعود إلى فترة الانتداب البريطاني، وحافظ عليها الحُكمان الأردني والإسرائيلي”، مضيفاً أن “إسرائيل وضعت خطةً عام 1976 لتنفيذ ذلك”.
مارس/آذار 2021
“تعتزم إسرائيل إقامة حدائق توراتية فوق أسواق البلدة القديمة للقدس”
[…]وتستهدف إسرائيل البلدة القديمة منذ احتلالها القدس عام 1967، والتي لا تزيد مساحتها على كيلومتر مربع،
[…]لجأت في الآونة الأخيرة إلى محاولة السيطرة على أسطح المباني التاريخية لإقامة حدائق ترفيهية. ”
[…]ويعود مشروع إقامة الحدائق فوق أسواق البلدة القديمة للقدس إلى أكثر من 30 عاماً،
من الواضح عدم تناسق أفكار السيد خليل موسى وتعارض أقواله. فهل “تلتف تلك الحدائق حول البلدة القديمة من بلدة سلوان إلى جبل المشارف”، أم أنها تقع داخل أسوار البلدة القديمة؟ وهل تمتد رقعتها على خمسة كيلومترات أم على أقل من كيلومتراً واحداً؟ تقرر تبني المشروع قبل 45 سنة أم فقط 30؟ أعمال البناء كانت قد بدأت قبل ثماني سنوات أم فقط مؤخراً؟
ولعل المشترك الوحيد بين المقالين هو التنديد بإسرائيل واتهامها بمحاولة تهويد مدينة “لا صلة لليهود بها”:
أكتوبر/تشرين الأول 2020
تحاول إسرائيل “إيجاد رابط تاريخي بمدينة القدس”، و”تطويع” آثار المدينة الموغلة في القدم لصالح روايتها اليهودية بحسب مختصين فلسطينيين. فمنذ احتلال المدينة في عام 1967 بدأت إسرائيل عمليات البحث عن آثار لتؤكد صلتها بالقدس، ويؤكد الفلسطينيون أنها لم تتوصل إلى دليل علمي يجزم بذلك.
[…]ومن تلك الوسائل لخلق “جذر تاريخي” في القدس، إقامة حزام من “الحدائق التوراتية” حول أسوار البلدة القديمة للمدينة في محاولة لربط اليهود بـ”أرض إسرائيل”، ومحو الطابع العربي الإسلامي والمسيحي للمدينة.
[…]وبحسب الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب، (…) الهدف من تلك الحدائق هو “فرض وقائع لإثبات حقائق تاريخية لم تُثبَت علمياً من خلال وضع آثار حجرية قديمة في تلك الحدائق، ويافطات تشير إلى الهيكل اليهودي الأول والثاني في المدينة”. أضاف أن “إسرائيل تستغل آثاراً قديمة في القدس تعود إلى العصر البيزنطي وحتى المملوكي وتنسبها إلى اليهود”.
[…]ويرى خبير الخرائط خليل تفكجي أن “إسرائيل وبهدف السيطرة على الأراضي تُضفي بعداً دينياً لما تسمّيه “الحوض المقدس” في محيط البلدة القديمة (…)، وتقول إنها تضم قبوراً للأنبياء”.
[…]بدوره يرى القيادي في “حركة فتح” في القدس حاتم عبد القادر أن “الهدف من تلك الحدائق هو تهويد المشهد العربي الإسلامي في القدس عبر إقامة ممرات لليهود للتعبد، ووضع مجسمات حجرية تشير إلى ارتباط اليهود التاريخي بالمدينة”.
مارس/آذار 2021
ولم تكتف إسرائيل بالسيطرة على أسفل البلدة القديمة من خلال عمليات الحفر للبحث عن آثار تثبت بها ارتباط اليهود بالمدينة
[…]وتطل أسطح تلك الأسواق والبيوت المبنية فوقها على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وتهدف إسرائيل إلى استغلال تلك الإطلالة، وصبغها بالطابع اليهودي، بحسب مدير أوقاف القدس التابعة للحكومة الأردنية عزام الخطيب.
[…]
وقال الخطيب إنه أبلغ المسؤولين الأردنيين بذلك المشروع (…)، مشيراً إلى أنه يستهدف إقامة ممرات وحدائق فوق تلك المباني لإضفاء الطابع اليهودي على المشهد العام في القدس.اعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية أن مشروع الحدائق يأتي ضمن سياسة تهدف إلى “تزوير معالم قلب القدس، وبلدتها القديمة ومحاصرة الأقصى، في تجاهل واضح لدائرة الأوقاف الإسلامية ومصادرة مكشوفة لدورها وصلاحياتها”.
[…]ويقول الباحث في شؤون القدس، جمال عمرو، إن “إسرائيل تستخدم تعبيرات إيجابية كالتطوير وإقامة حدائق بهدف إحكام سيطرتها على القدس، واستكمال تهويدها وطمس معالمها العربية”، مشيراً إلى تل أبيب “تستهدف تدمير كل ما له علاقة بالعرب والمسلمين في المدينة”.
إن من يقرأ المقالين يبدو له في الوهلة الأولى وكأن خليل موسى يتحدث عن مشروعين متوازيين لا صلة بينهما، إلا كونهما يهدفا إلى طمس الهوية العربية والإسلامية للمدينة والعمل على تهويدها من خلال حدائق ترفيهية. والحقيقة هي أنه لا يوجد أي “مخطط” من هذا النوع إلا في عقول بعض من أدمنوا القراءة التآمرية للأحداث واعتادوا اختلاق الأكاذيب من دون أي دليل أو برهان، رافضين تقبل أن يكون هناك وجوداً يهودياً في مدينة داود وأن تقوم إسرائيل بأدنى عمل تنموي. ولعل استخدام لفظ “توراتي” يهدف إلى شيطنة السلوك الإسرائيلي واضفاء طابعاً دينياً لقضية مختلقة من الأساس، حيث أن اللفظ لا يستخدم بالعبرية لنعت مشاريع من هذا النوع. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تقع جريدة بحجم “إندبندنت عربية” في هذا الفخ وتقامر هكذا بمصداقيتها؟!
أنظر إلى التقرير المنشور بالإنجلزية على موقع “CAMERA UK” التابع لمؤسسة “كاميرا”