رسوم كاريكاتورية يروج لها في متاجر بريطانيا تمحو التاريخ اليهودي وتدعو لمعاداة السامية

“الغزاة الأشرار أتوا من الظلامات لتدنيس القدس الشريف، مهبط الديانتين، المسيحية والإسلام. فقط ليسوع المسيح، الذي يبكي من السماء على ما جرى للقدس، الحق في أن يحكمني.”
المطران هيلاريون كابوتشي، 1974.

“إنها من الجليد وسوف تذوب…”، الرسام الفلسطيني محمد سباعنة، جريدة القدس العربي اللندنية، فبراير/شباط 2021.

المقدمة

كما هو ظاهر، وهذا ليس إلا نموذج بسيط، يحاول البعض تزييف التاريخ من خلال حذف الوجود اليهودي من مدينة أورشليم القدس، حيث تقدم وكأنها حكراً على الإسلام والمسيحية؛ وأما الوجود اليهودي فهو غاصب وعابر. عوضاً عن كون تلك القراءة التضليلية للتاريخ مجحفة في حق الشعب اليهودي، فإنها كذلك تشرعن العنف ضد اليهود حيث تدعو إلى “المقاومة” المسلحة ضد الوجود اليهودي في المدينة.

الرسوم والفقرات المقدمة في هذا المقال تم اقتباس أغلبها من وسائل إعلام اتخذت من المملكة المتحدة مقراً لها، وعادةً ما تحظى بتمويل خليجي. كما أن جميعها (باستثناء “ميدل إيست مونيتور”) ناطقة بالعربية.

الرسومات لمحمد سباعنة وعماد حجاج.

هذا الكاريكاتير، على السبيل المثال، هو لمحمد سباعنة وقد صدر (من بين رسوم أخرى معادية للسامية) في جريدة القدس العربي اللندنية في فبراير/شباط 2021 حيث عرفت أورشليم القدس عاصفة ثلجية. ويشبه الكاريكاتير الوجود اليهودي في المدينة بالثلج الواقع على قبة الصخرة، المزعج والعابر في آنٍ واحد.

كما أضاف الفنان الفلسطيني الموهوب تغريدة على حسابه في تويتر داعياً لزوال اليهود عن المدينة:

الادعاء بأن المدينة حكراً على الإسلام والمسيحية وبأن لا يوجد فيها إلا المساجد والكنائس هو أحد المواضيع الغالية على قلب الفنان الناقم على اليهود.

وها هي بعض النماذج:

“سور القدس…”، القدس العربي (المملكة المتحدة)، مايو/أيار 2021.
“ولنا أيضاً قبة… نحميها”، حساب محمد سباعنة على تويتر، مايو/أيار 2021.
“جمال المحامل – أهل القدس”، أوكتوبر/تشرين الأول 2013.
“سفارة الولايات المتحدة”، مايو/أيار 2018.
“من لا يملك لمن لا يستحق”، يناير/كانون الثاني 2020.

في ذهنية محمد سباعنة، يمثل اليهود تهديداً أجنبياً على المدينة وعلى السلم الإجتماعي والطائفي داخلها.

ويصر الرسام على إظهار الهلال والصليب على أنهما مكونين أساسيين في المدينة، أما نجمة داود التي ترمز إلى المكون اليهودي فتصور من خلال علم إسرائيل على أنها عنصر دخيل على المكان وعابر، قائم بمساعدة الغرب ولا سيما الولايات المتحدة كما هو واضح على اليسار في أسفل الصورة، يقف في وجهه اتحاد إسلامي مسيحي.

“الصخرة الصلبة”، القدس العربي (المملكة المتحدة)، أغسطس/آب 2019.

في رسمة أخرى، يصور اليهود على أنهم أخطبوط يسعى إلى السيطرة وابتلاع الجميع، وهذا تشبيه طالما استخدمته النازية في دعايتها المعادية للسامية.

“ملتزمون بالاتفاقيات”، القدس العربي (المملكة المتحدة)، نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وكذلك هاتين الرسمتين:

“تهويد القدس”، ميدل إيست مونيتور (المملكة المتحدة)، أكتوبر/تشرين الأول 2017.
(رجاء ملاحظة المساجد والكنائس المتعانقة في أسفل الصورة على اليسار، بدون ذكر أي رمز يهودي)

في هذه الصورة، بالإمكان رؤية جنود إسرائيليين (مع وضع نجمة داود على خوزهم) في مظهر قبيح (كالأنف المعقوف على سبيل المثال). وهذه وسيلة قديمة ومعروفة أدقنها النازيون تهدف إلى تنفير الرأي العام من اليهود.

من حساب محمد سباعنة على تويتر، أبريل/نيسان 2021.

ويستمر الرسام بكافة الطرق الإبداعية في إظهار اليهود (جميعهم) على أنهم مكون دخيل، غير طبيعي وعنيف في المدينة المقدسة.

“القدس بين فيروسين…”، حساب محمد سباعنة على تويتر، سبتمبر/أيلول 2020.
“جراد”، فبراير/شباط 2019.

أحد أشهر رسامي الكاريكاتير هو الأردني عماد حجاج (وهو أخً لرسام الكاريكاتير أسامة حجاج الذي دعى إلى إبادة اليهود في صحيفة القدس العربي اللندنية). ويعتبر عماد حجاج اليهود خطراً على المسلمين والمسيحيين على حدٍ سواء في المدينة المقدسة وعبر عن ذلك مرات عديدة من خلال أعماله الفنية:

“القدس عربية”، أكتوبر/تشرين الأول 2009.
“مدينة القدس مغلقة اليوم”، أكتوبر/تشرين الأول 2015.

في يوليو/تموز 2017 وفي سياق أزمة كان قد اندلعت في البلدة القديمة بسبب الرفض العربي لاجرائات التأمين الإسرائيلية، اعتبر الرسام بأن “الإحتلال يفرض بوابات إلكترونية على الأقصى” في محاولة لفرض هيمنة يهودية على المنطقة:

“الإحتلال يفرض بوابات إلكترونية على الأقصى”، العربي (المملكة المتحدة)، يوليو/تموز 2017.

في هذه الصورة، يعبر حجاج عن أحداث العنف التي شهدتها المدينة في أبريل/نيسان 2021 من خلال رسمة قديمة ترجع إلى العام 2009:

“القدس عربية”، العربي (المملكة المتحدة)، أبريل/نيسان 2021.

وليت هذه الحالة الثقافية الناكرة لشرعية الوجود اليهودي في مدينة داود تتوقف عند رسوم الكاريكاتير، بل أنها تمتد إلى مناطق أخرى ويعبر عنها مباشرةً من خلال ما يصدر في الصحافة.

على سبيل المثال، يمكننا قراءة ما يلي على موقع قناة “سكاي نيوز” الإخبارية باللغة العربية في يونيو/حزيران 2020:

يشار إلى أنه منذ إعلان الإدارة الأميركية القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، تسارع آلة الاستيطان في دك جدران الفلسطينيين سعيا لتقليص أعدادهم. فمن تبقى في القدس اليوم نحو 350 ألف مقدسي مقابل أكثر من 700 ألف مستوطن.

هذه العبارة تتحدث عن اليهود في أورشليم القدس على أنهم مستوطنين. وليتها تفرق بين شطري المدينة الغربي (المعترف به دولياً وعربياً على أنه جزء من دولة إسرائيل) والشرقي (الذي يطالب به العالم العربي كجزء من دولة فلسطينية مستقبلية)، إلا أنها تضع كل اليهود في خانة واحدة: المكون الغريب والغير شرعي في المدينة بمختلف أحيائها.

نفس الشيء يحدث مع صحيفة “اندبندنت عربية”، حيث اعتاد مراسلها خليل موسى على محاولة محو كل صلة تربط اليهود بأورشليم القدس. كما أنه يضع الأماكن المقدسة اليهودية بين هلالين، ولكنه يرفع الهلالين حينما يستخدم المسميات الإسلامية.

فبراير/شباط 2020:

وتشير الخطة إلى أهمية القدس لأتباع الديانات السماوية الثلاثة كالمسجد الأقصى للمسلمين و“حائط المبكى” لليهود وكنيسة القيامة للمسيحيين.

مارس/أذار 2020:

 وتستهدف إسرائيل البلدة القديمة منذ احتلالها القدس عام 1967، والتي لا تزيد مساحتها على كيلومتر مربع، ويقع فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة و“بقايا الهيكل”، 

سبتمبر/أيلول 2019:

واندلعت “ثورة البراق” عام 1929، إثر محاولة اليهود تغيير الوضع التاريخي القائم في حائط البراق، 

أبريل/نيسان 2021:

ويشكل باب العمود أحد أبرز المداخل المؤدية إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط البراق، 

إن قرارات اليونسكو المجحفة في حق إسرائيل والشعب اليهودي الصادرة في أبريل/نيسان وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016 والتي تنكر وجود صلة بين اليهودية وجبل الهيكل تعزز هذا المناخ العدواني والمناهض لليهود. اليونسكو كذلك تعتبر نفسها منظمة أممية محايدة ولكنها على أرض الواقع منحازة بشكل كامل للمواقف العربية والإسلامية. وهذا يعتبر دعم للخطاب الذي يعمل على حرمان اليهود من تراثهم في المدينة، أو من خلال محو التاريخ اليهودي في هذه الأرض أو عبر تشويهه.

الخاتمة

على الرغم من أن إنكار التراث اليهودي في إسرائيل ولا سيما في أورشليم القدس يعتبر أخف وطأةً من النظريات المعادية للسامية بفجاجة، إلا أنه يمثل خطورة هو الآخر حيث أنه ينزع شرعية الجود اليهودي في الوقت الذي يعتبر فيه الإسلام والمسيحية مكونات طبيعية مهددة من قبل اليهود، وبالتالي من البديهي والمفهوم أن تقاوم وجودهم. وهكذا تغذي هذه الصورة المغلوطة حالة الشحن التي تعاني منها المنطقة.

ومن المؤسف أن يكون من بين من يتحملون مسؤولية تعزيز جو الكراهية والعنف أفراد ومؤسسات لا يلامون على ذلك. بل على العكس، يعتبروا رسامين كسباعنة أو حجاج في الأوساط الغربية مثقفين “تقدميين” وأصوات ينصت إليها باحترام. وكذلك منابر مثل “سكاي نيوز عربية” و”اندبندنت عربية” التي تحاول السويق لنفسها كنظراء لسكاي نيوز واندبندنت البريطانيتين، ولكن شتان بينهما في ما يتعلق بالمهنية الإعلامية وفي موضوعيتهم في التعاطي مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

إن الإشكالية الأساسية لا تكمن فقط في كون هذه الشخصيات والمنابر تتخذ موقفاً منحازاً لطرف على حساب الآخر، وإنما في العمل على إلغاء هذا الآخر تماماً، إنكار شرعيته ومحوه من الذاكرة التاريخية؛ الشيء الذي ينمي الكراهية، يعمق الضغائن ولا يساهم في حل الصراع.

حالة هيلاريون كابوتشي تظهر فضاحة عدم المسؤولية

وربما تعود بنا هذه النماذج المذكورة إلى وصف المطران هيلاريون كابوتشي في 1974 اليهود بالغزاة الأشرار. فهو رجل دين مسيحي حظي باحترام في سائر العالم، بما في ذلك في الغرب، ولم يلومه أحد على ما تفوه به عبر العقود من عبارات شنيعة في حق اليهود، على الرغم من صدور أحكام قضائية ضده بتهمة الدعوة للعنف وللتحريض ودعم الإرهاب. وهو مثال واضح وجلي لأولئك الذين حرضوا وساهموا في تعزيز مناخ الكراهية بدون أن يحملهم المجتمع الدولي أي مسؤولية تذكر.

ويتلخص موقف كابوتشي في العبارة التالية الصادرة عنه:

“لو عاد المسيح يوماً لجعل من الفاتيكان مقراً لحركة فتح.”

المطران هيلاريون كابوتشي، “وطن 24” (الأراضي الفلسطينية)، يناير/كانون الثاني 2017.

ويذكر أن كابوتشي كان قد حكمت عليه محكمة إسرائيلية بالسجن إثنى عشر عاماً بتهمة تهريب أسلحة وذخائر ومتفجرات وقذائف لصالح ياسر عرفات، مستغلاً مكانته الكنسية وحصانته. وقد قضى في السجن ما لا يزيد عن ثلاث سنوات بسبب تدخل الفاتيكان. ثم عاش في روما معززاً مكرماً ولم تنزع عنه ألقابه الكنسية حتى وافته المنية. وتثير هذه اللامبالاة السائدة الدهشة وتستوجب الاستنكار حيث يفلت من الحساب أكثر من يحرضون ويتحملون مسؤولية كبيرة في تفشي العنف ونشر الكراهية.

أنظر إلى التقرير المنشور بالإنجلزية على موقع “CAMERA UK” التابع لمؤسسة “كاميرا”

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *