في سياق تغطيتها لمقتل الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في الحادي عشر من أيار/ مايو 2022، اتهمت بعض وسائل الإعلام الدولية الناطقة باللغة العربية إسرائيل بالضلوع في الحادث، بل بالقيام باغتيال المراسلة، دون سندٍ أو دليل.
فلقد عنونت “إندبندنت عربية” مقطعاً تم التقاطه في جنين أثناء الحادث على النحو التالي: “مقتل مراسلة ‘الجزيرة’ شيرين أبو عاقلة برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة [الغربية].” وكذلك “فرانس 24” وهي قناة حكومية فرنسية: “من هي الصحافية شيرين أبو عاقلة التي قتلها الجيش الإسرائيلي بدم بارد؟” ثم في مقالاً آخر: “مقتل صحافية من قناة الجزيرة برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.” أما عن موقع “فايس” فقد نشر مقالاً بعنوان: “مقتل مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة برصاص الجيش الإسرائيلي.”
حتى “سكاي نيوز عربية”، وهي من أبرز الفضائيات العربية مهنيةً ومشاهدةً على مستوى العالم، لم تسلم من تلك الحملة التضليلية حيث نشرت الخبر التالي على موقعها الإلكتروني: “قتلت الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، صباح الأربعاء، برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء تغطيتها لاشتباكات في قطاع جنين في الضفة الغربية المحتلة.” بالإضافة إلى مقطع فيديو على تطبيق يوتيوب تحت عنوان: “مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة برصاص الجيش الإسرائيلي في جنين.” نفس الصياغة تداولتها “بي بي سي عربي”: “هذه الحلقة سُجلت قبل الإعلان عن مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة برصاص إسرائيلي في جنين.”
إلا أن “يورونيوز عربية” قد ذهبت أبعد من ذلك في الخيال العلمي لتدعي بأن قناصاً إسرائيلياً استهدف مراسلة قناة الجزيرة متعمداً تصفيتها: “قتلت الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة صباح الأربعاء برصاصة مباشرة من قنّاص إسرائيلي.”
يأتي هذا الاتهام بدون أدنى دليل وفي الوقت الذي طالبت فيه إسرائيل السلطة الفلسطينية بإجراء تشريح مشترك للجثمان وفتح تحقيق مشترك هو الآخر للكشف عن ملابسات الحادث المآساوي. ولكن السلطة الفلسطينية رفضت تلك الاقتراحات ولا تزال ترفضها، معتبرةً أن الجيش الإسرائيلي يقف وراء مقتل أبو عاقلة. مما يبدو وكأن السلطة غير معنية باكتشاف الحقيقة بقدر رغبتها في استثمار الحادث لأغراض دعائية بحتة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تتبنى هذه الفضائيات والصحف الرواية الفلسطينية وتتجاهل المعايير المهنية في فحص الخبر ونشره؟ ولا سيما وأن الطرف الفلسطيني لم يقدم أي دليل على ادعاءه، بل أن الجهة الفلسطينية التي باشرت عملية تشريح الجثمان لم توجه اتهام إلى إسرائيل. والجدير بالذكر أن جميعها نسخ عربية لوسائل إعلام غربية لم تكن تجرؤ على نشر الخبر بهذه الصيغة التلفيقية التي تفتقد للحد الأدنى من المهنية والصدق. وعليه فلقد قمنا بالاتصال بطواقم تحرير القنوات والصحف التي تم ذكرها وطالبناها بتصحيح أخطاءها.
بقلم: د. مئير مصري، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في أورشليم القدس ومستشار بمؤسسة “كاميرا”.
أنظر إلى التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع “CAMERA UK” التابع لمؤسسة “كاميرا”.