القدس العربي هي صحيفة يومية مملوكة لقطر ويديرها فلسطينيون ومقرها لندن، وغالبـاً ما يُنظر إليها على أنها الصوت الأكثر عناداً في الصحافة العربية ضد السلام والمفاوضات والاعتراف بإسرائيل. وتحمل الصحيفة شعلة (تروّج) لـ”الاءات الثلاث” التي صدرت عن قمة جامعة الدول العربية عام 1967 و”معسكر الممانعة” الذي أطلقته منظمة التحرير الفلسطينية في الثمانينيات.
(توضيح: دفعت ظروف هزيمة العرب في حرب الأيام الست باتجاه تبني القمة العربية عام 1967 ل”قرارات” “حازمة” مثل إعلان اللاءات الثلاث: “لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل”)
والصحيفة تعد صحيفة ذات تأثير واضح بين الشباب ذوي التعليم العالي المؤيدين للفلسطينيين، والمتحدثين باللغة العربية المناهضين للغرب في الشرق الأوسط وأوروبا.
واشتهرت بين الناطقين باللغة الإنجليزية تاريخياً، برئيس تحريرها الشهير والمثير للجدل، عبد الباري عطوان، الذي شغل منصب رئيس تحرير الصحيفة منذ تأسيسها عام 1989 حتى عام 2013، عندما تولى أصحابها القطريون الجدد السيطرة على أسلافهم ومن سبقوهم (مجموعة من المغتربين الفلسطينيين). ومنذ هذا الوقت، تتولى رئاسة تحرير الصحيفة، سناء العالول، المتشددة أيضًا، وهي مسئولة في الاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا؛ ويرتبط اسمها أيضا بعضو الكنيست السابق والمستشار الحالي للعاهل القطري، عزمي بشارة، الذي يقال؛ إنه نتيجة لذلك يتمتع بمستوى كبير من التأثير على الخط التحريري للصحيفة.
(توضيح: سناء العالول، هي شقيقة القيادي الفتحاوي، محمود العالول، وهي زوجه الكاتب الصحفي اللبناني، عبد الوهاب بدرخان المقرب من الدوائر القطرية، ولهما ابن واحد وهو طارق)
وبالنظر إلى حقيقة أن العقد الذي انتهى عام 2013، شهد زوال بعض آخر بقايا القومية العربية الكلاسيكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فليس من المستغرب أن المعقل الوحيد لهذا التوجه الفكري العربي، الذي عفا عليه الزمن في الصحف قد حرك (أثر سلبا) وإلى حد ما على مكانته (المقصود هنا مكانته بين القراء مع تبنيه هذا الفكر البالي). وبالإضافة لذلك أيضا، تغير ولاء (توجهات) البعض في مكان آخر (مثل توجهات عزمي بشارة نفسه). وهكذا، حتى قبل أن يتم التنازل عن ملكية القدس العربي بالكامل للقطريين، ومع بقاء عطوان في المقدمة، فإن آراء الصحيفة تجاه محور (تحالف) تركيا وقطر وغزة والإخوان المسلمين (الذي ضم مصر أيضاً لبعض الوقت) أصبحت داعمة (مواتية) بشكل متزايد لهذا التوجه.
ومع ذلك، ظلت المعتقدات الأساسية للصحيفة دون تغيير إلى حد كبير حتى يومنا هذا، وعلى حد تعبير عنوانها الافتتاحي ليوم النكبة لعام 2020 (الذي يطرح سؤالاً) والنص (الذي يجيب عنه بالإيجاب)، فإن موظفيها ينظرون دائمًا إلى إسرائيل على أنها ليست سوى “مرحلة عابرة في تاريخ فلسطين“، مهما كان وجودها مدى الحياة مؤسفاً، باعتبارها “دولة استيطانية إمبريالية وعنصرية ودينية”.
وعلى هذه الخلفية، ظهر الرسم الكاريكاتوري التالي بعنوان “التطبيع” الذي رسمه الأردني الفلسطيني، أسامة حجاج، الأسبوع الماضي على موقع القدس العربي (20 أيلول/ سبتمبر) وفي النسخة المطبوعة (21 أيلول/ سبتمبر، الصفحة 23).
الصخرة التي صدمت عندما رأت العربي (يرتدي الزي الخليجي) يلقي سيفه جانباً ويريد مصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ينادي بلغة عربية فصيحة: “يا مسلم… يا عبد اللـه… ماذا تفعل؟”، خلف نتنياهو نرى صخرتين أخريين وشجرة، وربما هو نفسه يحمل بيده الأخرى سيفا خلف ظهره.
لكي نفهم مدى كراهية هذا الرسم التوضيحي وعنفه، يحتاج المرء إلى إدراك ما هو المشهد الذي يوضحه الحجر الذي ينادي “يا مسلم… يا عبد اللـه”، هو إشارة واضحة إلى القول التالي المنسوب إلى النبي محمد، وهو حديث معروف على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم الإسلامي:
“لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد اللـه هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود” صحيح مسلم، المجلد 7، كتاب الفتن وأشراط الساعة، الحديث 6985
بصرف النظر عن الجدل الدائر حول أعداد المسلمين المعاصرين، الذين يعتبرون هذا النص النبوي القديم عن آخر الزمان مصدراً موثوقاً للإرشاد في حياتهم اليومية، يبدو آمناً بما يكفي لتحديد أنه في حالة الحجاج وناشريه اللندنيين على وجه الخصوص، من الواضح أن السياسة مستوحاة مما هو مكتوب هناك. بعد كل شيء، وبغض النظر عن مستويات إيمانهم والتزامهم، فإنهم هم الذين رأوا ذلك مناسباً:
- تحديد موقع هذا الوضع المروع المحتمل ضمن السياق الملموس للشئون الدولية المعاصرة؛
- لتحقيق هذه الغاية، تقديم صورة نمطية لعربي خليجي لدور المسلم في القصة ورئيس وزراء الدولة اليهودية الوحيدة في العالم لدور اليهودي؛
- تحميل منتجهم “الفني” النهائي عبر الإنترنت ليشاهده الملايين؛
- أن يتم ذلك في صحيفة يومية سيئة السمعة بسبب امتعاضها من وجود إسرائيل ذاته، ناهيك عن إمكانية قيام علاقات سلمية بينها وبين العرب والمسلمين.
لذلك، لا يمكن للمرء أن يتجنب الاستنتاج المثير للقلق، وهو أن الغضب الذي عبرت عنه الصخرة في الرسم الكاريكاتوري يتم مشاركته كلمة بكلمة من قبل رسام الكاريكاتير الذي رسمه، وكذلك من قبل هيئة تحرير القدس العربي التي وافقت على الرسم للتوزيع الشامل.
وبقدر ما يهمهم الأمر، يجب على المسلم الصالح أن يرتكب إبادة جماعية ضد اليهود، أو على الأقل لا يتخلى أبداً عن خيار الانخراط في واحدة منها في وقت ما في المستقبل المنظور؛ ومن المفترض أن يختبئ اليهود، من جانبهم، بلا حول ولا قوة في خوف خلف صخرة أو شجرة، متشوقين (عبثًا!) إلى أن يحافظ المسلم على حياتهم، أو يفشل في اكتشافهم تماما.
وبناءً على ذلك، فإن المسلمين الذين يتحدون هذا المصير ويسقطون التزاماتهم، تاركين وراءهم سيوفًا غير مستخدمة، وهم يسعون إلى السلام مع اليهود، ليسوا أقل من خونة للنظام الأخلاقي الطبيعي في نظر الحجاج وصحيفته.
كلاهما يثيرهما ظهور اليهود الواثقين في دولتهم ذات السيادة الثابتة: اليهود القادرين على مصافحة مسلم من وجهة نظر متساوين (وحتى في ذلك الحين، كما يوحي الرسم الكاريكاتوري بمهارة، قد يتآمرون لإيذاء الآخرين المطمئنين)، مرة أخرى، في تحدٍ لما ينبغي أن يكون عليه العالم.
خلاصة القول؛ قبل أسبوعين، احتجت صحيفة بريطانية على اتفاقيات إبراهيم من خلال نشر رسم كاريكاتوري (الأول أعلاه) يتذرع بالإبادة الجماعية ضد اليهود كبديل معقول في المستقبل؛ بمعنى آخر، اقترحت أن على العرب والمسلمين أن يأملوا ويستعدوا لهذه الإبادة الجماعية، بدلاً من نزع سلاح أنفسهم (هل هم حقاً؟) من خلال توقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل الخائنة.
من المُسلّم به؛ أن رسالة بشعة إلى هذا الحد نادرة إلى حد ما حتى بمعايير المساهمين في صحيفة القدس العربي.
ومع ذلك، فإن هذه ليست الصورة الوحيدة من الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها الصحيفة، التي شبهت هزيمة إسرائيل التي طال انتظارها بهزيمة “اليهودي الأبدي” الأسطوري. أسامة حجاج، هو في الوقت الحاضر واحد من ثلاثة رسامي كاريكاتير تنشر أعمالهم بانتظام في الموقع الإلكتروني للصحيفة، وفي نسختها المطبوعة، والاثنان الآخران هما الفلسطينيان أمية جحا ومحمد سباعنة؛ وقد تناول جحا- ـ المحسوب على حماس – هذا الموضوع عدة مرات.
يهودي حسيدي نمطي، يستحضر مجاز “اليهودي المتجول“، يصر على أسنانه بغضب بينما يُجبر على الخروج من “فلسطين” (السهم الأيمن)، ويسير نحو “الخروج” (السهم الأيسر)، وفوق حقيبته الكبيرة كتاب بعنوان “التاريخ المفبرك” ولفافتان: وعد بلفور وخطة ترامب، كلتا اللفافتين، المترجمة إلى العربية (باللون الأحمر) باسم “وعد بلفور”، و”وعد ترامب”، تتوافق مع العنوان الرئيسي للرسوم الكاريكاتورية (أعلى اليمين، باللون الأحمر أيضاً).
تلتقط العائلة الفلسطينية (ربما من غزة) حجراً، وتتأرجح بمفتاح كبير، يمثل ما يسمى بـ”حق العودة”، من أجل سحق اليهودي الحسيدي الخائف والأعزل/ مطاردته بعيدًا عن أعينهم.
(توضيح : مصطلح الحسيدي يقصد هنا الإشارة من خلاله لليهودي المتشدد دينيا)
نتنياهو، الذي يرتدي زي يهودي حسيدي، ويحمل سلسلة مفاتيح مكتوب عليها “وعد بلفور” (أي وعد بلفور)، يتم اقتلاعه جنباً إلى جنب مع المنازل المملوكة لليهود مع ارتفاع “الأرض” المجسدة، حاملاً مفتاح “حق العودة” الرمزي الذي هو تحت عنوان “الوعد الحق”.
من بين الرسوم الكاريكاتورية الأربعة، يشير الرسم الذي رسمه حجاج إلى العمل الأكثر عنفاً – الإبادة الجماعية – في حين يمكن النظر إلى رسوم جحا الكاريكاتورية على أنها تشجع التطهير العرقي “فقط” والترحيل الجماعي (“عملها الفني” للإبادة الجماعية، الذي يصور أيضاً “الصخور والأشجار” مشهد لم ينشر قط في القدس العربي).
ولكن الأهم من ذلك هو؛ أن الشيء المشترك بينهم جميعاً هو؛ أنهم يساوون بين القضاء على إسرائيل الذي طال انتظاره، وإعادة اليهود إلى مكانهم الصحيح عديم الجنسية في تاريخ البشرية. ومع ذلك، يتفق حجاج واثنان من رسوم جحا الكاريكاتورية على أن هذا المكان المناسب لليهود لم يتم تحديده من قبل البشر الآخرين، لكن من قبل قوى الطبيعة (الأرض والأشجار والصخور) أو أفضل من اللـه نفسه.
وفي هذا الصدد، يمثل كل من رسامي الكاريكاتير انعكاسًا دقيقًا ليس فقط للتحول الإسلامي في صحيفة القدس العربية، بل أيضًا لمعاداتهم للسامية الأقدم والراسخة.
أنظر إلى التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع “CAMERA UK” التابع لمؤسسة “كاميرا”.