“إندبندنت عربية” تتجاهل تمامًا النكبة الفلسطينية.. لماذا؟

المصور: Shy halatzi, CC BY-SA 3.0 , عبر ويكيميديا كومنز

كثيرًا ما تغيب عن أذهان متابعي الإعلام حقيقة ساطعة تؤكد أن محكّ اختبار مصداقية أداء وسائل الإعلام، على اختلاف أنواعها، لا يتمثل فيما تعمد إلى تغطيته فحسب، بل أيضًا فيما تمرّ عليه مرّ الكرام من أحداث ووقائع، إما سهوًا أو عمدًا (مع العلم أن كلتا الحالتيْن تعكس أجندة خفية أو معلنة).

لعل أوضح مثال على هذه الظاهرة تجلى مؤخرًا عند متابعة عدم تغطية موقع “إندبندنت عربية” على الإطلاق لمناسبة وقوع الذكرى الـ72 للنكبة الفلسطينية التي صادفت يوم 15 مايو/أيار 2020، وذلك على النقيض من إبراز الموقع نفسه في العام الماضي 2019 هذه الذكرى. إذ سعى الموقع حينها حثيثًا إلى تسليط الضوء الإعلامي على أحداث الذكرى الـ71 للنكبة، من خلال نشر ما لا يقلّ عن7 تقارير عنها في الفترة ما بين 9-25 مايو/أيار 2019، حيث تناول تقريران ما جرى في الضفة الغربية و 3 تقارير الفعاليات المقابلة في قطاع غزة، هذا بالإضافة إلى تقرير من شمال إسرائيل وتقرير آخر مترجم من الإنجليزية.

تجدر الإشارة إلى أن “إندبندنت عربية” تشغل شبكة من خمسة مراسلين لتغطية الأحداث الخاصة بإسرائيل والأراضي الفلسطينية. غير أن صفحات الموقع خلال فترة الذكرى الـ72 للنكبة الفلسطينية كانت، كما جاء أعلاه، خالية تمامًا من أي ذكر لأحداث هذه المناسبة التاريخية التي قد تحتلّ صدارة المفكرة الفلسطينية برمتها. كما أن مختلف التقارير المتعلقة ببعض جوانبها بالقضية الفلسطينية والتي يتكرر نشرها على موقع “إندبندنت عربية” لم تشمل الوسوم الرائجة من قبيل #ذكرى النكبة الفلسطينية، #نكبة_1948..إلخ.

ترى، ما سبب هذا التغيير الجوهري في “سياسة” التغطية الإعلامية التي اعتمدتها “إندبندنت عربية” والقائمة على تجاهل تام لفعاليات النكبة الفلسطينية خلال العام الجاري؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل، يجب التنبّه إلى أن “إندبندنت عربية” انفردت بين سائر وسائل الإعلام الغربية الناطقة بالعربية، وهي موضع اهتمام فريق “كاميرا العربية”، بهذا الموقف، ذلك لأن كلاً من قناة الحرة، BBC العربية، France24، سكاي نيوز العربية ووكالة رويتر، ناهيك عن موقع “الإندبندنت” باللغة الإنجليزية، تناولت فعاليات ذكرى النكبة الفلسطينية لهذا العام.

قد يكون صعبًا تقديم إجابة قاطعة على تساؤلنا المشار إليه، غير أننا نعتقد بأن “إندبندنت عربية”، التي تتخذ في كثير من الأحيان موقفًا متحيزًا ضد إسرائيل (كما سبق وأشرنا إلى ذلك في منشوراتنا السابقة)، سلكت مسلكًا مختلفًا تمامًا إزاء ذكرى النكبة الفلسطينية لا لسبب إلا خضوعها الكامل لملكية المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق (SRMG) التي يتولى رئاستها رجل الأعمال إبراهيم الرويتع المقرب من العائلة المالكة السعودية. (تجدر الإشارة، بالمناسبة، إلى أن المجموعة السعودية ذاتها تسيطر على صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية المشهورة).

تحليلنا للأحداث كالآتي: جاء قرار “إندبندنت عربية” التغاضي بالمطلق عن أحداث ذكرى النكبة 2020 بإيعاز مباشر من القيادة السعودية ردًا على
مظاهر البهجة والفرح التي تجلّت لدى الكثير من الفلسطينيين (المستاءين بدورهم مما يعتبرونه سياسة تطبيعية تنتهجها السعودية مع إسرائيل بغض النظر عن قضيتهم) إزاء انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية في إحدى مراحل انتشار أزمة “كورونا” وما تبع ذلك من تأزم الأوضاع المالية للمملكة العربية السعودية. أضف إلى ذلك الرسم الكاريكاتيري لفنان فلسطيني الذي نشرته قناة الجزيرة القطرية في أواخر أبريل/نيسان الماضي والذي اعتبرته الرياض مهينًا. ويبدو أن هذه الأجواء المشحونة جعلت عددًا من الكتاب السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي ينشرون الهاشتاغ منقطع النظير #فلسطين ليست قضيتي (أنظر مثلاً تحليل موقع رصيف22 حول الموضوع).

في السياق ذاته نشر رئيس تحرير “إندبندنت عربية” عضوان الأحمري يوم 26 أبريل/نيسان 2020 في حسابه على موقع “تويتر” التغريدة التالية:

نريد بيانا من عقلاء فلسطين ضد بذاءة الردح المتواصلة منذ عقود. الأمنيات الأخيرة بانهيار اقتصاد السعودية لانخفاض النفط، وقبل ٣٠ سنة الوقوف مع صدام والفرح لإطلاقه صواريخ ع الرياض.تخلي الجيل الجديد من السعوديين عن شعور أهمية القضية الفلسطينية سببه ما يراه من شتائم وشماتة ونكران جميل.

وقد جلبت التغريدة ردود أفعال مختلفة اتسم بعضها باللهجة المعادية الحادة تجاه الفلسطينيين.

لكن بعيدًا عن هذا الاحتقان الإعلامي اللافت بين السعوديين والفلسطينيين، وبغض النظر عن استفادة إسرائيل إعلاميًا منه، فإن التقلّب في تغطية أحداث النكبة الفلسطينية كما ظهر على موقع “إندبندنت عربية” يدل مرة أخرى على أن الاعتبارات السياسية غير الموضوعية تغلب في بعض الأحيان على تغطية أعرق وسائل الإعلام الغربية الناطقة بالعربية لقضايا الشرق الأوسط.

أنظر التقرير المنشور أصلاً بالإنجلزية على موقع “CAMERA UK” التابع لمؤسسة “كاميرا”

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *