من المشاكل العويصة والمتكررة في الإعلام الغربي الناطق بالعربية، محور اهتمام فريق “كاميرا عربية”، التفريط في استخدام المصطلحات دون الانتباه إلى الحقائق. ومن أبرز الأمثلة الدالة على ذلك كثرة إطلاق صفة “مستوطن” على أي مواطن إسرائيلي يعيش في حدود بلاده المعترف بها دوليًا (1948-1967) بخلاف حالة سكان المستوطنات المقامة على أراضي 1967 (الضفة الغربية) التي يرفض المجتمع الدولي بالفعل الإقرار بشرعيتها، كما أن إسرائيل نفسها تجنبت ضمها رسميًا إلى أراضيها.
أما مدينة القدس فهي تمثل حالة استثنائية أكثر تعقيدًا. إذ كانت إسرائيل قد قامت بضم شطرها الشرقي (الذي يشمل البلدة القديمة من المدينة) بعد حرب 1967 ومنحت، بالمناسبة، سكانها العرب حق الإقامة الدائمة الذي يؤهلهم أيضًا للتقدم بطلب التجنّس في إسرائيل. بطبيعة الحال، كان ولا يزال هناك إجماع عربي رافض لفكرة “القدس الموحدة” بإدارة إسرائيلية، وبالتالي كانت النظرة العربية السائدة تعتبر السكان اليهود الذين انتشروا في الأحياء الجديدة للقدس التي تم بناؤها بعد حرب 1967 بمثابة “مستوطنين”.
لكن هل يجوز إطلاق صفة “مستوطنين” على جميع سكان القدس من اليهود؟ النزاهة الصحفية تحتّم الإجابة بالرفض على هذا السؤال، نظرًا لأن معظم اليهود كانوا ولا يزالون يعيشون في الأحياء الغربية من القدس التي كانت جزءًا لا يتجزأ من أراضي دولة إسرائيل منذ نشأتها (تشير التقديرات إلى أن عدد السكان اليهود في الأحياء الواقعة خارج حدود 67 من القدس لا يتجاوز 210 آلاف أي أقل من ثلث مجموع السكان اليهود في القدس بحدودها الحالية). لكن رغم ذلك فإن بعض وسائل الإعلام التي نتابعها تعود وتقع في منزلق التعميم الخاطئ على أي إسرائيلي مقيم في القدس باعتباره “مستوطن”. وكان آخر مثال على ذلك، ما دعانا أصلاً لكتابة هذا المنشور، هو التقرير المصور لمراسل “سكاي نيوز عربية” فراس لطفي يوم 5 يونيو/حزيران 2020 بعنوان “وادي السيليكون.. خطة استيطانية ضخمة في القدس“. ويدل العنوان بحد ذاته على اعتبار أي إجراء تتخذه إسرائيل في مدينة القدس خطوة “استيطانية”، ثم تتكرر هذه النغمة في سياق التقرير نفسه، حيث جاء فيه الآتي:
يشار إلى أنه منذ إعلان الإدارة الأميركية القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، تسارع آلة الاستيطان في دك جدران الفلسطينيين سعيا لتقليص أعدادهم. فمن تبقى في القدس اليوم نحو 350 ألف مقدسي مقابل أكثر من 700 ألف مستوطن.
وتدل هذه الصياغة المغرضة على أن “سكاي نيوز عربية” تضفي صفة “مقدسي” على الفلسطينيين فقط، بينما السكان اليهود يندرجون تحت مسمى “المستوطنين”. غير أن هذا الوصف أبعد ما يكون عن الحقائق التاريخية التي توثّق استمرارية التواجد اليهودي في مدينة القدس في مختلف الحقب، مع العلم أن اليهود شكلوا منذ القرن التاسع عشر، في ظل حكم الدولة العثمانية، الغالبية بين سكان المدينة كما تشهد على ذلك المصادر التاريخية.
سبق لنا الإشارة أكثر من مرة إلى أن الإعلام الغربي الناطق بالعربية يتبنى تلقائيًا مصطلح “مستوطن” بالنسبة لأي مواطن إسرائيلي (أنظر مثلاً منشورنا يوم 2/12/2019 ). ولا نعرف حقيقة ما إذا كان الأمر ناتجًا عن النية المبيَّتة أم عن قلة وعي بالحقيقة، لكن في كلتا الحالتيْن آن الأوان للقضاء على هذا التحريف الاصطلاحي.
أنظر التقرير المنشور أصلاً بالإنجلزية على موقع “CAMERA UK” التابع لمؤسسة “كاميرا”