من منا لا يعشق كرة القدم ويشجع فريقه المفضل محليًا ودوليًا وينتظر بفارغ الصبر إطلاق إشارة الافتتاح لمباريات كأس العالم بكرة القدم المقررة بعد أقل من مائة يوم في روسيا.
هذا الحدث الكروي العالمي تُشدّ إليه الأنظار من كل حدب وصوب ويجري عشاق كرة القدم في العالم العربي الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الحدث الجلل، ومنهم من يبتاع أجهزة التلفاز المتطورة ذات المقاسات الكبيرة، ومنهم من يجدد مخزون المكسرات والتسالي في بيت المونة، ومنهم من يبحث عن طريقة لمتابعة المباريات عبر الشاشة الفضية بسعر معقول وزهيد ليتسنى له المتابعة الدقيقة للمباريات التي تجمع لاعبي القمة في عالم كرة القدم ومنتخباتهم الوطنية.
وهنا يصطدم عشاق كرة القدم في العالم العربي بحائط لطالما اصطدموا فيه عندما كانوا يرغبون في متابعة الأحداث الرياضية العالمية، بما فيها دورة الألعاب الأولمبية أو مباريات كأس العالم وغيرها، وذلك بعد أن احتكرت قنوات رياضية عربية معيَّنة حقوق بثها بقصد جني الأرباح الطائلة من عشاق الرياضة العرب لاستغلال رغبتهم الجامحة في متابعة المباريات بغض النظر عن قلة إمكانيات أعداد كبيرة منهم.
أما الحكومات العربية فحدّث ولا حرج.. إما أن تقف عاجزة عن مواجهة هذا الاحتكار للبث الرياضي فتدفع مبالغ طائلة لتمكين مواطنيها من مشاهدة الحدث تارة أو تقف ذليلة أمام الاحتكار تتوسل إليه أن يفتح البث لمواطنيها تارة أخرى.
والإعلام العربي صامت لا يحرك ساكنًا يقف موقف المتفرج ولا يمارس بالقدر الكافي دوره الأساسي بانتقاد هذا الواقع والمطالبة بتغييره. يا ترى، أليس طرح المطالب بتحسين أوضاع المواطن العادي البسيط من أهم الوظائف الملقاة على عاتق الإعلام؟!
ولكن متى يشمّر الإعلام العربي عن ساعد الجد ويطبّل ويولول؟ الإجابة للأسف بديهية ولا تحتاج سوى القليل من الحدس: لا يستصرخ الإعلام العربي فزعًا إلا عندما يدخل الساحة، رياضية كانت أو أخرى، ذلك العنصر المشؤوم أم بالأحرى تلك الشمّاعة التي طالما تعوّد على أن يعلق عليها كل مشاكل الدنيا من أقصاها الى أقصاها ألا وهي “إسرائيل”!
فما فتئ أن يجف الحبر من إعلان قناة “مكان” الفضائية الإسرائيلية أنها ستبثّ معظم مباريات كأس العالم في روسيا عبر الأقمار الصناعية بعد حصولها على هذا الحق، لتمكّن بالتالي جمهور عشاق الكرة من دول الجوار أيضًا من مواكبة المباريات مجانًا والاستماع لتحليلات طاقم إعلاميين ومعلقين رياضيين باللغة العربية، حتى أصبحنا نشاهد بعض وسائل الإعلام العربية تتصدى لما يدّعيه بأنه هجمة شرسة من التطبيع تستهدف عقل المواطن العربي، حيث طالعنا الإعلام العربي بعناوين من قبيل: “هكذا تسعى إسرائيل لبث سمها في عسل كأس العالم” (موقع عربي21)؛ بتعليق وتحليل عربيين.. ماذا تريد “إسرائيل” من بث المونديال مجاناً؟ (موقع الخليج أونلاين)؛ إسرائيل تستغل مونديال روسيا للتطبيع (صحيفة السبيل الأردنية)؛ إسرائيل تبث مباريات المونديال بالعربي لجذب المصريين (موقع اليوم السابع المصري)
يجب القول إن طريقة تناول بعض وسائل الإعلام العربية لهذه القضية كانت موضوعية، حيث اكتفت بنقل الخبر بشأن مجانية البث بالعربية لمباريات مونديال روسيا 2018 عبر قناة “مكان” الإسرائيلية مستشهدةً بما أوردته وزارة الخارجية الإسرائيلية بهذا الخصوص عبر صفحتها على الفيسبوك إسرائيل تتكلم بالعربية. غير أن البعض الآخر من وسائل الإعلام العربية لم يتمالك إلا توظيف الموضوع في خانة التحذير من التطبيع مع إسرائيل، فمثلاً كتبت الأهرام المصرية بهذا الشأن: “وبطبيعة الحال فإن توجه شباب العرب الى هذه القناة الإسرائيلية لن يتوقف فقط عند حدود متابعة مباريات كأس العالم خاصة ان إسرائيل لا تشارك فيها، بل الازمة الكبرى ما ستبثه اجهزتها من اعلانات وتوجهات يمكن ان تلقى باثارها السلبية على افكار الشباب العربى فى هذه المرحلة المهمة من التاريخ. ”
بالتالي يؤسفنا القول إن بعض وسائل الإعلام العربية تواصل، عند تعاملها مع الشأن الإسرائيلي، ممارسة دورها التقليدي وهو الترهيب والتخويف والترويج لشعارات أكل عليها الدهر وشرب ولم تعُد تتماشى مع تطورات العصر. أما عاشق كرة القدم فلم يبق أمامنا سوى التمني له بالاستمتاع بمشاهدة المباريات أينما شاهدها وكيفما شاء مستفيدًا بفضل ذكائه من كل الخيارات المتاحة له..