في تقرير تم نشره يوم 15 مايو/أيار 2019 بمناسبة “يوم ذكرى النكبة الفلسطينية”، أورد موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي.) باللغة العربية كلام مجموعة من النشطاء البريطانيين المشاركين في “حملة التضامن مع فلسطين” الذين كانوا قد تظاهروا بالقرب من مبنى الهيئة. ويشار، بالمناسبة، إلى أن موعد المتظاهرة تحدد، في مسعى لإجرائها في نهاية الأسبوع، ليصادف يوم السبت الموافق 11 مايو/أيار 2019 رغم أنه كان يسبق بأربعة أيام حلول ذكرى النكبة. وكان أبرز المتظاهرين الذين نُقلت آراءهم في إطار التقرير جُهلًا وتطرفًا هو رجل يُدعى “جاي” حيث قال:
“كنت وما أزال متعاطفاً جداً مع ضحايا الهولوكوست وقد زرت متحف هيرتزل بالقدس لأعرف المزيد عنهم ولكني الآن أعجز عن استيعاب حقيقة أن الإسرائيليين يمارسون أعمال عنف على ذات القدر من الفظاعة بحق الفلسطينيين”.
ويستدعي كلام المتظاهر المشار إليه بعض التعليقات. إذ نود الإشارة أولاً إلى عدم دقة أقوال “جاي” حول الموقع المفترض أن يكون قد قام بزيارته في القدس، حيث أنه لم يكن على الأرجح “متحف هيرتسل” (المخصص لإحياء تراث هرتصل مؤسس الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر) بل متحف مؤسسة “ياد فاشيم” المعنية بتخليد ذكرى ضحايا المحرقة النازية (الهولوكوست)، مع العلم أن المتحفيْن متجاوران ويقع كلاهما في القدس الغربية. غير أن الأدهى في الأمر، وما يجعلنا نجزم بالقول إن “جاي” لم يستخلص العِبَر الصحيحة من زيارته الآنفة الذكر، ما هو إلا إصراره على عقد تلك المقارنة القبيحة الباطلة بين سياسة إسرائيل الحالية نحو الفلسطينيين (وبغض النظر عن شرعية انتقاد هذه السياسة) وبين إبادة ستة ملايين من اليهود الأبرياء العزّل في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية. ونعتقد بأن كل ذي عقل وبصيرة ومعرفة، ولو قليلة، بالحقائق التاريخية في غنى عن بيان أسباب بطلان هذه المقارنة الشنيعة، لكننا على أي حال نؤكد أن هذه المقارنة بحد ذاتها باتت تُعرَّف، طبقًا للتعريف العملي لمعاداة للسامية الذي أصدره التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA)، على أنها مظهر من مظاهر معاداة السامية.
بما أن موقع بي. بي. سي. بالعربية أقدم على نشر كلام “جاي” المعادي للسامية من دون إرفاقه بأي توضيح أو إدانة من قبل هيئة تحرير الموقع، فقد قدم فريق “مرصد بي. بي. سي.” التابع لمؤسسة “كاميرا” شكوى رسمية لهيئة الإذاعة البريطانية بهذا الخصوص، فتم حذف كلام “جاي” المذكور من الموقع. غير أن هذه الخطوة، وإن كانت إيجابية بحد ذاتها، لم تقترن بأي شرح بل بقيت خالية من أي إشارة إلى اعتراف محرري الموقع بمغالطتهم السابقة. ويؤسفنا القول إن هذا النهج إنما يدل على الجبن والتهرب من استحقاقات العمل الصحفي النزيه القائم على معاملة القراء بصدق وصراحة والإقرار بالأخطاء أمامهم ليس من باب رفع العتب بل من أجل توعية جميع المعنيين بالخطأ تجنبًا لتكراره لاحقًا. وقد يكون من المجدي، ختامًا، أن نعيد إلى أذهان محرري بي.بي.سي وغيرهم المقولة الخالدة إن الاعتراف بالخطأ فضيلة..
أنظر التقرير حول الموضوع في موقع “بي بي سي واتش” باللغة الإنجليزية