وسائل الإعلام العربية تميز بين “اليهود الطيبين” (المسالمين) وبين “الصهاينة الأشرار”

الصورة من Free Malaysia Today عبر Creative Commons

هذا هو المقال الثاني في سلسلة من المقالات التي وضعتها مؤسسة كاميرا العربية، التي تُظهر كيف تقوم شبكات الأخبار الناطقة بالعربية، بما في ذلك تلك المرتبطة بوسائل الإعلام الغربية، بتناول موضوع اليهود الذين ينحدرون من أو يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من خلال التمييز بين اليهود “الولاء” و”الصهاينة الخونة”.

في المنشور الأول من هذه السلسلة، تم تحليل حادثة معزولة تتعلق باليهود ذوي الأصول التونسية، حيث قامت سائحة إسرائيلية من أصول تونسية بمدح كل من وطنها الأم وتونس، أمام الكاميرا خلال تقرير إخباري إسرائيلي، مما أثار احتجاجات في تونس، طالب المحتجون فيها بوقف “التطبيع” التونسي مع “الكيان الصهيوني”، ودعوا إلى إقالة وزير السياحة التونسي اليهودي، رونيه الطرابلسي.

كما أظهر هذا المنشور محاولة بي بي سي العربية لتغطية الحادثة بموضوعية مغلفة بالتحليل، حيث ركزت على تفريق اليهود الإسرائيليين (مثل السائحة) عن اليهود التونسيين “الوطنيين” (مثل رونيه الطرابلسي) الذين “يقاومون إغراءات إسرائيل” و”تمسكوا بجذورهم التونسية”.

كما أشار التقرير الإلكتروني (وبرنامج التلفزيون المرافق) إلى تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة تتناقض مع معايير بي بي سي، حيث نقلت بعض التعليقات (التي تم نقلها حرفيًا دون تدقيق) اتهامات لا أساس لها ضد السياح الإسرائيليين، وادعت أنهم يقومون بعمل عسكري على الأراضي التونسية. كما كان هناك تعليق على فيسبوك، لا يزال مدمجًا في المقال، يحتوي على معاداة للسامية واضحة، حيث زعم أن رونيه الطرابلسي كان يسحب صلاحيات الرئيس، ورفض التمييز الذي تروج له الحكومة التونسية بين الصهاينة واليهود، واتهم الجميع بالتآمر ضد تونس وشعبها وهويتهم العربية. لكن لم يندد التقرير بهذا التعليق، بينما قدم برنامج التلفزيون الأجزاء الأقل كراهية فقط منه.

المنشور الثاني يهدف إلى فحص النقاش الذي كان يدور بالفعل حول المجتمع اليهودي الصغير في تونس في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية قبل هذه الحادثة، ومنذ أن تم تعيين أحد أعضائه وزيرًا في نوفمبر/ تشرين ثان 2018.

لقد لفت تعيين وزير يهودي في حكومة عربية انتباه وسائل الإعلام من عدة جهات، مثل الصحف اللبنانية والمصرية، والمواقع العربية الشاملة، وقنوات التلفزيون الفضائية الخليجية، مثل قناة الجزيرة وقناة العربية (جميع الروابط باللغة العربية)، من خلال هذه الوسائل، نقل الصحفيون والكتّاب ـ على حد سواء ـ الموقف النقدي الذي ساد الشارع التونسي بعد التعيين، بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تم ترديد المخاوف بشكل غير نقدي بأن ترابلسي قد يكون “مُطبعًا” (مع إسرائيل) أو “صهيونيًا” صريحًا.

وقد كان أحد المقالات الافتتاحية، التي كتبها الكاتب، نزار بولحية، التي نُشرت في ذلك الشهر في صحيفة “القدس العربي” اللندنية، ملخصًا دقيقًا للمشاعر تجاه اليهود وولائهم المزعوم المزدوج، بالنظر إلى الوضع الجديدـ إلى درجة أنه يمكن اعتبارها بمثابة استشراف للتحديات التي كان على الوزير الجديد مواجهتها بمجرد انفجار فضيحة السائحة الإسرائيلية.

ويقول بولحية في افتتاحية صحيفة القدس العربي المنشورة في 13 نوفمبر/تشرين ثان 2018:

“وصول رجل الأعمال اليهودي رينيه الطرابلسي لذلك المنصب قد يكون مقدمة لما هو أعظم من ذلك، وبمثابة النافدة الصغيرة التي تفتح بوجه ابناء الطائفة، ليتطلعوا من خلالها لما هو أبعد من الوزارة ويحققوا في الوقت نفسه نوعا من التطبيع الاجتماعي والنفسي الفعلي بينهم وبين الأغلبية المسلمة، في بلد لا يعلم معظم سكانه عنهم أكثر مما ينقله الإعلام عن مواسم احتفالاتهم كل عام في جزيرة جربة، وما يتردد اثناءها من شعارات التسامح والانفتاح والتعايش مع الأديان والثقافات. وسيلقي كل ذلك بالتبعية عبئا إضافيا على رينيه، وسيجعله في مواجهة اختبارين دقيقين وهما، إثبات استحقاقه الشخصي وجدارته بالمنصب ثم مهارته في تسويق صورة جديدة عن طائفته تجعل أغلبية التونسيين تميز بشكل أفضل بين المواطن اليهودي والعدو الصهيوني، وتقدم لهم أنموذجا ناصعا لليهودي الوطني، الذي يستطيع الدفاع عن مصالح بلده، ويرفض التطبيع مع المحتل، ولا يتقاطع مع الصهيونية.”

المقال الافتتاحي الذي حمل عنوان “عيون اليهود: على تونس أم على إسرائيل؟“، أشار أيضًا إلى إمكانية بعيدة بأن يكون لتونس يومًا ما رئيس يهودي (وهو سيناريو كان يُقلق المعلقين المعادين للسامية على فيسبوك الذي تم ذكره سابقًا)، وتوقع بشكل دقيق ما الاتهامات التي سيواجهها الوزير ومجتمعه إذا تم وضع ولائهم لتونس موضع شك، حيث يقول الكاتب التونسي في الافتتاحية:

 “إن تأملنا مقابل ذلك أيضا الأفق السياسي للخطوة الاخيرة، التي لم تكن بأي حال الأولى من نوعها في تونس، وهي، تعيين يهودي في منصب وزير للسياحة، فسنرى أن الأمر يبقى بالأساس رهنا بالتوازنات السياسية الداخلية، قبل أي اعتبار آخر، وبهذا المعنى فإن وصول رجل الأعمال اليهودي رينيه الطرابلسي لذلك المنصب قد يكون مقدمة لما هو أعظم من ذلك، وبمثابة النافدة الصغيرة التي تفتح بوجه ابناء الطائفة، ليتطلعوا من خلالها لما هو أبعد من الوزارة ويحققوا في الوقت نفسه نوعا من التطبيع الاجتماعي والنفسي الفعلي بينهم وبين الأغلبية المسلمة، في بلد لا يعلم معظم سكانه عنهم أكثر مما ينقله الإعلام عن مواسم احتفالاتهم كل عام في جزيرة “جربة”، وما يتردد أثناءها من شعارات التسامح والانفتاح والتعايش مع الأديان والثقافات، وسيلقي كل ذلك بالتبعية عبئا اضافيا على رينيه، وسيجعله في مواجهة اختبارين دقيقين وهما، إثبات استحقاقه الشخصي وجدارته بالمنصب ثم مهارته في تسويق صورة جديدة عن طائفته تجعل أغلبية التونسيين تميز بشكل أفضل بين المواطن اليهودي والعدو الصهيوني، وتقدم لهم أنموذجا ناصعا لليهودي الوطني، الذي يستطيع الدفاع عن مصالح بلده، ويرفض التطبيع مع المحتل، ولا يتقاطع مع الصهيونية”.

تغطية بي بي سي العربية للحادثة لم تعبّر سوى عن توجه قائم مسبقًا من وسائل الإعلام الناطقة بالعربية الأخرى، التي لا تتبع نفس معايير الصحافة الغربية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتغطية اليهود والإسرائيليين. في نهاية المطاف، اعتمد الجميع على نفس الفرضية: فقط التمييز الواضح بين “اليهود الطيبين” والصهاينة يمكن أن يبرئ اليهود التونسيين ويزيل عنهم تهمة “الصهاينة في ملابس يهودية”.

للاطلاع على أصل التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية انقر هنا.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *