هذا هو الجزء الخامس في سلسلة من منشورات “كاميرا بالعربية” التي تُظهر كيف تقوم شبكات الأخبار الناطقة بالعربية، بما في ذلك تلك المرتبطة بوسائل إعلام غربية، بتأطير موضوع اليهود الذين ينحدرون من أو يعيشون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من خلال التمييز بين اليهود “المخلصين” و”الصهاينة الخونة”.
ركز المنشوران السابقان في السلسلة على استخدام الأكاذيب وأنصاف الحقائق لإنكار الروابط التاريخية والمعاصرة بين يهود الشرق الأوسط من جهة، وبين الصهيونية وإسرائيل من جهة أخرى:
- تناول المنشور رقم 3 الكاتبة المصرية، فاطمة ناعوت، ومحاولتها تقرير ما يفكر فيه آخر اليهود المتبقين في مصر دون سؤالهم، وذلك لإثبات أنهم “يتبرؤون” من “الكيان الصهيوني”، وبالتالي هم “وطنيون حقيقيون”، وكل ذلك مع تجاهل آلاف اليهود من أصول مصرية الذين انتقلوا إلى إسرائيل على مر السنين ويعيشون هناك اليوم.
- أظهر المنشور رقم 4 كيف استخدمت سكاي نيوز عربية إسرائيل ككبش فداء لتبرئة العراق ومصر واليمن بشكل غير مباشر من المسئولية التاريخية تجاه مجتمعاتهم اليهودية؛ حيث اتهم التقرير أجهزة المخابرات الإسرائيلية بإثارة الفتنة بين اليهود والمسلمين الأبرياء في هذه الدول، مما دفع اليهود للفرار إلى إسرائيل.
إلى أي مدى قد يذهب الكُتّاب العرب – الراغبون في التعاطف مع يهود المنطقة، لكنهم في الوقت نفسه لا يرغبون في أن يُتهموا بالتطبيع مع إسرائيل – لتشويه الواقع ليناسب الرواية التي يريدونها؟
مقارنةً بسكاي نيوز عربية، التي اختلقت حقائق تاريخية، وفاطمة ناعوت؛ التي اختلقت آراء معاصرة، ذهب كاتب الموضوع التالي؛ الذي نحلله إلى حد اختراع مجتمعات يهودية نابضة بالحياة من العدم، رافضًا الاعتراف بأنها قد اختفت بالفعل. أمجد السعيد، وهو صحفي مقيم في لندن، ويكتب لصحيفة إندبندنت عربية، يُعد بالتالي الفائز في هذه المنافسة المشبوهة.
من الإنصاف القول: إن مقال أمجد السعيد، بتاريخ 29 أبريل/ نيسان 2020 يحمل نبرة إيجابية تجاه يهود الشرق الأوسط، حيث يدافع عن مسلسل تلفزيوني رمضاني بعنوان (أم هارون)، الذي يسلط الضوء على بطلة يهودية من إحدى دول الخليج في أربعينيات القرن الماضي (شخصيتها مستوحاة من القصة الحقيقية لقابلة يهودية بحرينية تُدعى أم جان،) وقد أثار المسلسل موجة واسعة من الاحتجاجات عبر الإنترنت في العالم العربي، ومع ذلك، ادّعى المقال أن مقاطعته بسبب مزاعم “التطبيع” أمر غير مبرر، حيث إنه لا يمت بصلة إلى إسرائيل”. ويقول أمجد السعيد نصا في مقاله (جميع التأكيدات والملاحظات بين الأقواس من إعداد CAMERA Arabic):
وأتت اتهامات الترويج لـ”العدو الإسرائيلي”، في حين أن المسلسل لا يحتوي ولا يضمّ إسرائيليين ولم يكتبه أو يخرجه إسرائيلي، كما أن أحداث القصة لم تكن عن إسرائيل بتاتًا، وإنما عن اليهود العرب في الدول العربية الذين عاشوا وشاركوا في الحياة الفنية والثقافية والاجتماعية في بلادهم”.
لكن للأسف، بعد الوصف الشجاع حقًا للماضي، جاءت القفزة المذهلة إلى الحاضر حيث يقول الكاتب:
ولا يزال الكثير منهم يعيش في المغرب والجزائر وليبيا والسودان ومصر وسوريا ولبنان والعراق والبحرين، وحتى إيران وتركيا، وهم يعيشون حياة عادية في تلك الدول، ويمارسون طقوسهم بحرية وينخرطون في شتى مناحي الحياة
عموما وباستثناء المغرب، وإيران وتركيا، وهما دولتان غير عربيتين، لا يزال يعيش عدة آلاف من اليهود حتى يومنا هذا في بعض من الدول، غير أن أيًّا من الدول التي ذكرها السعيد لا يعيش بها الكثير من اليهود الذين يعيشون حياة عادية”.
والأرقام التالية تعطي تقديرات حول أعداد وأوضاع اليهود في كل دولة من هذه الدول العربية، وهي أرقام لا تدعو إلى التفكير في كلمتي “الكثير” أو “العادية”.
البحرين – وفقًا للحاخام الأمريكي مارك شناير، الذي دعاه الملك حمد آل خليفة، لزيارة الجالية اليهودية المحلية في يونيو/ حزيران 2019، كجزء من مؤتمر دولي بقيادة الولايات المتحدة، فإن عددهم يُقدّر بنحو 37 يهوديًا، من بينهم السفيرة السابقة في واشنطن، هدى نونو، وعضوة البرلمان، نانسي خضوري. ويرى المحللون أن معاملة المملكة لجاليتها اليهودية الصغيرة تُعد جزءًا من سياستها الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالولايات المتحدة.
مصر – بين الجاليتين اليهوديتين في القاهرة والإسكندرية، قَدّرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العدد الإجمالي لليهود الذين يعيشون بشكل علني في مصر بـ 17 شخصًا، وذلك بناءً على ملاحظات مراسليها ووكالة الأنباء الفرنسية (AFP).
سوريا – وفقًا لفريق “تلفزيون BBC عربي” الذي أُرسل إلى دمشق في صيف عام 2019، فإن جميع اليهود الذين لم يغادروا البلاد بعد الحرب الأهلية يعيشون الآن في العاصمة السورية، وبناءً على مقابلات مع بعض أفراد الجالية المحلية، قدّر الفريق أن الجالية اليهودية تضم نحو15 فردًا.
الجزائر – أشار المؤرخ الماركسي الفرنسي بنجامين ستورا في عام 2013 إلى أنه لا يزال هناك “عدد قليل” من اليهود في البلاد، جميعهم يمارسون طقوسهم الدينية سرًا في العاصمة الجزائر، آخر يهودية كانت مرتبطة علنًا بمؤسسة يهودية، وكانت عميلة للمنظمة المشتركة لتوزيع المعونات JDC)، إستير أزولاي، التي توفيت عام 2011.
العراق – وفقًا لمقابلة أجراها موقع ynet (وهو الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت) في أبريل/ نيسان 2018 مع، عماد ليفي، الذي غادر بغداد إلى إسرائيل قبل سبع سنوات، كان ليفي لا يزال على اتصال بجميع أعضاء الجالية اليهودية المحلية البالغ عددهم 5 أفراد.
لبنان – ادّعى المخرج اللبناني ربيع دماج في يوليو/ تموز 2019، أن هناك 5 يهود “مسجلين” فقط في البلاد بأكملها، وأن جميعهم باستثناء واحدة، ليزا سرور، لم يعيشوا أو يمارسوا دينهم علنًا، أو كانوا يحتفظون بإقامتهم الرسمية في لبنان بينما كانت حياتهم الفعلية في مكان آخر، يتفق هذا مع سجلات الانتخابات اللبنانية لعامي 2009 و2004، حيث بلغ عدد اليهود الذين أدلوا بأصواتهم 5 و1 على التوالي.
توفيت سرور قبل عام من نشر مقال دماج، مما أدى على ما يبدو إلى انخفاض عدد اليهود في لبنان إلى رقم قياسي جديد بلغ 4 أشخاص، ومع ذلك، نظرًا لأن أفراد الطائفة اليهودية في لبنان عادةً ما يحافظون على مستوى منخفض للغاية في وسائل الإعلام، قدّمت بعض التقديرات أعدادًا أعلى، تشير إلى وجود بضعة عشرات من اليهود الذين يخفون هويتهم اليهودية بطريقة أو بأخرى.
ليبيا – لا يوجد حاليا بها أي من اليهود، وكان آخر يهوديين موثقين يعيشان هناك كانا، رينا داباش أو إزميرالدا ميغناجي،) خلال عام 2002. (وقد غادرا البلاد أو توفوا إلى رحمة اللـه).
السودان – لا يوجد، آخر توثيق لوجود يهود في السودان يعود إلى منتصف السبعينيات.
ربما كان ذلك من خلال تلك الجملة السيئة التصور، التي استندت ربما إلى تفكير متفائل، حيث كشف السعيد بالفعل عن وجود نفس الصلة بالضبط بين إسرائيل الحديثة واليهود التاريخيين في العالم العربي الذي كان يحاول جاهدًا إخفاءه.
من خلال افتراض أن القصص الخيالية للأجيال اليهودية السابقة تتعلق بحياة يهود الشرق الأوسط اليوم، فقد أظهر هو نفسه اصطناعية الحاجز الذهني الذي يسمح للمنافذ الإعلامية العربية بقبول “أم هارون” وعائلتها، لكن دون أحفادهم الحقيقيين؛ بعد كل شيء، فإن الغالبية العظمى من أحفادهم الذين بقوا في المنطقة يعيشون حياة “عادية” في إسرائيل، وليس في أي مكان آخر.
للاطلاع على أصل التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية انقر هنا.