الإعلام العربي يتصارع مع اليهود القادمين من الدول العربية – الجزء الأول: اليهود في الشرق الأوسط بعيون “بي بي سي عربي”

الكنيس في جربة
المصدر: Bellyglad from Tunisia, CC BY 2.0 , via Wikimedia Commons
تعد هذه المقالة الأولى في سلسلة مقالات أعدتها مؤسسة “كاميرا”، والتي تستعرض كيفية تناول القنوات الناطقة بالعربية التابعة لوسائل إعلام غربية لموضوع اليهود الذين ينحدرون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو يعيشون فيه، حيث يتم التمييز بين “اليهود المخلصين” و”الصهاينة الخائنين”. جميع الترجمات والتأكيدات والملاحظات داخل الأقواس من إعداد فريق “كاميرا عربي”، ما لم يُذكر خلاف ذلك.

مثال على ذلك تصريح يقول: “ليبارك اللـه جنود إسرائيل، وليضيء نوره علينا، على إسرائيل وتونس، تحيا إسرائيل وتحيا تونس!

تلك الكلمات العفوية، التي كانت مزيجًا متحمسًا من اللغة العبرية ولهجة عربية عامية، نطقت بها امرأة على متن حافلة مليئة بزملائها من السياح والحجاج، حيث شاركها العديد من الحاضرين تشجيعًا وردوا على أمنياتها بقولهم “آمين”، كان معظم الركاب، إن لم يكن جميعهم، من اليهود الإسرائيليين من أصل تونسي، كانت وجهتهم “معبد الغريبة”، أحد أقدم الكنس في العالم، الواقع في جزيرة جربة التونسية.

 يُحيي اليهود هناك احتفالًا سنويًا بمناسبة “لاج بعومر” (الذي يتزامن عادة مع شهر مايو/آيار) منذ أجيال. وقد شهد عام 2019 عددًا قياسيًا من الحجاج والزوار لهذا الموقع، متجاوزًا جميع التجمعات السابقة منذ ثورة الياسمين التي عرفتها تونس في يناير/كانون الثاني 2011. (توضيح من المترجم لا يتضمنه النص الأصلي: لاج بوعمر يعتبر عيدًا ذا طابع روحاني وجماعي، حيث يتجمع به أبناء الشعب اليهودي للاحتفال وممارسة أنشطة دينية وتثقيفية).

تم توثيق الرحلة بالكامل بواسطة الصحفية الإسرائيلية المعروفة رينا متسلياح، التي وُلدت في تونس، وقد ساهم تقريرها في تسليط الضوء على لحظة بدت هامشية في البداية: المرأة المتحمسة ومجموعتها ظهروا لبضع ثوانٍ في نشرة الأخبار المسائية على القناة 12 الإسرائيلية، كما كشف التقرير للمشاهدين أن المجموعة أتيحت لها فرصة مشاهدة المنزل القريب من العاصمة تونس، الذي شهد في عام 1988، تصفية إسرائيل لخليل الوزير (المعروف بأبي جهاد)، نائب ياسر عرفات وأحد أبرز قادة حركة فتح، والمسؤول عن مقتل العشرات من المدنيين الإسرائيليين.

تسبب توثيق مجموعة من السياح الإسرائيليين وهم يمدحون إسرائيل وجنودها بفخر على الأرض التونسية، ثم زيارتهم موقعًا شهد اغتيال خليل الوزير، في إثارة فضيحة كبيرة في تونس. قامت قناة “الميادين”، المرتبطة بحزب الله، بنشر نسخة مترجمة إلى العربية من التقرير الذي بثته قناة إسرائيلية، مما أثار موجة من الغضب الشعبي، نتج عن ذلك تنظيم مظاهرات واعتصامات أمام مقرات حكومية في تونس. المتظاهرون، الذين رفعوا شعار “رفض التطبيع” مع “الكيان الصهيوني”، طالبوا بشكل خاص بإقالة رينيه طرابلسي، وزير السياحة التونسي وأول وزير يهودي في تاريخ تونس الحديث. يُذكر أن طرابلسي ينتمي إلى مجتمع يهودي صغير جدًا يقدر عدد أفراده بنحو 2500 شخص فقط.

تم تناول القصة بشكل واسع على القنوات الناطقة بالعربية، بما في ذلك تلك التابعة لوسائل الإعلام الغربية، بعض هذه القنوات استشهدت بتعليقات من وسائل التواصل الاجتماعي العربية دون التحقق من صحة الادعاءات المثيرة التي تم تداولها. فعلى سبيل المثال، قام أحد البرامج التلفزيونية الذي تنتجه قناة “بي بي سي عربي” بنقل تعليقات غاضبة دون نقد أو تمحيص، حيث وصف الزيارة بأنها عمل عسكري.

يعرض أحمد فاخوري، المذيع السابق في بي بي سي، ويعمل حالياً في قناة الجزيرة في برنامج تريندينج في حلقة سابقه من البرنامج عرضت في 15 يونيو/حزيران 2019، تغريدة لحساب يحمل اسم “حبيب بو عجيلة”، الذي يقول: “دخول الصهاينة إلى تونس ليس جديداً… من تسعينيات المخلوع يعلم الجميع أنهم يدخلون… بجوازاتهم الصهيونية في مجموعات سياحية أو في أحيان نادرة بجوازاتهم الثانية” (دقيقة 01:53).

وعرض فاخوري تغريدة من حساب أبو إسكندر: ״لو الكلام صحيح، يكون خليل الوزير أبو جهاد قد استشهد مرتين. الأولى عندما اغتالته إسرائيل عام 1988، والثانية عندما زار فتلته البيت الذي استشهد فيه في تونس״ (دقيقة 02:11).

وعرض فاخوري تغريدة من حساب يحمل اسم “عاطف بن عمر” الذي يقول: “اليهود التوانسة في تونس أو فرنسا ماعنديش معاهم مشكل… عندي مشكل مع الصهاينة اللي عايشين في فلسطين المحتلة… كلهم جنود أو جنود احتياط بما أنو الخدمة العسكرية إجبارية في الكيان الصهيوني يعني بنعتبرهم سياح وأصلهم تونسي؟” (دقيقة 02:45).

“ذكر تقرير في الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن نفس القصة؛ أن الصحفي حبيب بوعجيلة دعا إلى إقالة طرابلسي من أجل “حماية كرامة تونس الوطنية”، واتهم بوعجيلة طرابلسي بتشويه الحقائق بشكل خطير، وتأجيج التوترات بين السنة والشيعة، لأن الوزير كان قد أشار إلى ارتباطات قناة الميادين بحزب الله، وادعى أن ترجمة القناة من العبرية إلى العربية كانت خاطئة.”

إن النسخة الكاملة غير المحررة من تعليق بوعجيلة، كما وردت على موقع “بي بي سي عربي” على، مشبعة بالاستعارات والتلميحات المعادية للسامية، وهي تنظر إلى الحادث باعتباره مستوى جديدًا في ملاحقة مؤامرة ضد الشعب التونسي، تشمل يهودًا من بلدان عديدة، بالإضافة إلى طرابلسي نفسه (الذي يشير إليه باستمرار باسمه العبري روني). ويختتم التعليق البغيض بتمنيات الموت لإسرائيل وأمريكا.

“إن السماح للصهاينة بالدخول إلى تونس ليس بالأمر الجديد – فمنذ التسعينيات، يعلم الجميع أنهم يدخلون بجوازات سفرهم الصهيونية في مجموعات سياحية أو، في حالات نادرة، بجوازات سفرهم الثانية. هذا هو الحال طالما أن جميع المستوطنين الصهاينة، من الوزير إلى آخر محتل مغتصب، يحتفظون بجنسيتهم الأصلية، أو [يحصلون] على جنسية غربية، مثل معظم أعضاء الشتات اليهودي في جميع أنحاء العالم. واليهود في تونس، السابقون أو الحاليون، وأولئك الذين غادروها إلى فلسطين المحتلة، ليسوا استثناءً.

هذا ليس بالأمر الجديد. الاستفزاز الجديد هو جرأة روني طرابلسي، الذي يتولى حقيبة السياحة، وفي تصريحه الأخير تولى دور السلك الدبلوماسي التونسي، ورئيس الجمهورية، والبرلمان، ليقرر اتجاه تونس على المحاور الدولية، كما تولى دور محلل إعلامي في محطات التلفزة وانتماءاتها، ليصنف قناة الميادين على أنها قناة شيعية لبنانية، على الرغم من أنها كانت مجرد ناقلة ومترجمة حرفياً لتقرير القناة الصهيونية. وفوق ذلك كله، فقد تنبأ بغطرسة بنسبة التونسيين الذين يستنكرون ميوله نحو التطبيع ويخجلون مما يراه “عارًا”، أي التشيع والانحياز إلى المقاومة (حزب الله).

جرأة الوزير تنبع من تقديره (المقبول) بأنه أقوى من الحكومة والدولة التونسية، في المشهد التونسي الذي يحدد مساره ويرفعه إلى مرتبة “المسؤول الرفيع”، فإن روني هو المتميز والمختار؛ فهو يتمتع بسلطة وأهمية أكبر من كل الوزراء والمسؤولين ‘الأصليين’ و’الأغيار’. كما ينبع ذلك من فهمه (الدقيق على نحو لا يقبل الشك) أن رجل القش المتمثل في ‘معاداة السامية’ واتهامات التعصب والإرهاب والاعتداء على ‘إخواننا اليهود’، سوف يردع الساسة والمعلقين والأكاديميين الجبناء الذين يريدون البقاء حيث هم، أو يطمحون إلى الصعود في السلم. في مثل المشهد التونسي، يعرف روني، والذين يخشون روني يعرفون، أن نصيبه، وكذلك نصيب أتباعه (اللاعبين حرفيًا)، في يد المشرف العظيم، الذي يحب روني، ويحب أولئك الذين يحبون روني ويعزل كل من يكرهه.

مرة أخرى وإلى الأبد، في الماضي والحاضر والمستقبل، نقول لروني ومديره، ولمن يحب روني ومن يتعامل بخنوع مع روني ومديره، ومن يريد إعادة تموضع تونس في خدمة أصدقاء روني وحاشيته في عالم عربي ومجتمع دولي راكد، نقول: تونس عربية – روحها مقاومة رغم نكساتنا وانهياراتنا – تنتمي إلى أمتها – بوصلتها فلسطين – وصوتها عالٍ وواضح: الموت لإسرائيل – الموت لأمريكا – والمجد للمقاومة، ومن لا يعجبه ذلك فليذهب ليشرب ماء حلق الوادي، يمكنه أن يقدم نفسه كـ”مراقب خارجي” (حرفيًا “طائر على السطح”) أو تاجر خمور أو موظف حكومي، كلها قصص نفاقية نموذجية مغموسة بالحنين المصنوع من الدقيق الصهيو-ماسوني هكذا بين الغريبة وكاتدرائية باب البحر (كنيسة شهيرة في تونس تمثل للكاتب تونس التي ليست عربية/إسلامية حصرية، مثل الغريبة). نحن لا نصدق هذا الموقف في وطننا، على الرغم من خيانته من أنصاره ذوي الألسنة المعسولة.

بالإضافة إلى ذلك، جلب تقرير “بي بي سي عربي” على الإنترنت أيضًا تعليقات من تونسيين آخرين، حسب تعبير “بي بي سي”، “خشوا أن يعكس الحادث بشكل سيئ على يهود تونس، الذين رفضوا إغراءات إسرائيل وأكدوا تمسكهم بجذورهم التونسية”.

انتهت الاحتجاجات في النهاية بعد أن ردت الحكومة بتوضيح أن أياً من الزوار لم يدخل تونس بجواز سفر إسرائيلي، أما بالنسبة لطرابلسي نفسه، فقد نفى مراراً وتكراراً أي صلة بين الإسرائيليين الذين يزورون تونس والعمل “التطبيعي” المزعوم الذي اتُهم بالقيام به.

وفي إحدى المقابلات، أدان “بشدة” أيضاً السياح الذين، على حد تعبيره، “احتفوا بالجيش الإسرائيلي على الأراضي التونسية”. يبدو أن الوزير اليهودي هذه المرة قد تهرب من الرصاصة، ولكن ما دام النقاش الذي يحيط باليهود الذين يعيشون في الشرق الأوسط مؤطراً بالطريقة التي هو عليها (الإطار الذي تجده “بي بي سي عربي” مقبولاً على نحو واضح) ويبدو كذلك أنه ومجتمعه سوف يظلون دائمًا موضع شك بسبب الولاء المزدوج، وسوف يتحملون عبء إثبات براءتهم.

للاطلاع على أصل التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية انقر هنا.

للاطلاع على المقالة الثانية في هذه سلسلة المقالات انقر هنا.
للاطلاع على المقالة الثالثة في هذه سلسلة المقالات انقر هنا.
للاطلاع على المقالة الرابعة في هذه سلسلة المقالات انقر هنا.
للاطلاع على المقالة الخامسة في هذه سلسلة المقالات انقر هنا.
للاطلاع على المقالة السادسة في هذه سلسلة المقالات انقر هنا.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *