الإعلام العربي يتصارع مع اليهود القادمين من الدول العربية، الجزء الثالث

محمد نجيب بيسلم على حاييم ناحوم.
محمد نجيب بيسلم على حاييم ناحوم. المصدر: Mr. Maurice Hadef عبر Website of the Historical Society of Jews from Egypt.

هذا هو الجزء الثالث من سلسلة منشورات أعدها مشروع CAMERA بالعربية التي تستكشف كيفية تناول وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، بما في ذلك التابعة لمؤسسات إعلامية غربية، لموضوع اليهود الذين ينحدرون من، أو يعيشون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

حيث تسلط السلسلة الضوء على الفروقات التي ترسمها بعض هذه الوسائل بين “اليهود المخلصين” و”الصهاينة الخائنين” (جميع التوضيحات الموضوعة هي من إعداد مشروع CAMERA  بالعربية ما لم يُذكر خلاف ذلك). المنشوران السابقان في هذه السلسلة ركزا على التغطية الإعلامية لليهود التونسيين، وهي جالية صغيرة تنتمي إلى اليهود الشرق أوسطيين، حيث تواجه هذه الجالية تدقيقًا من الأغلبية العربية المسلمة في تونس، فيتم التشكيك في “وطنيتهم التونسية” عند تناول قضايا تتعلق بإسرائيل أو “الصهاينة”.

وكما أوضحت المنشورات، فإن هذه المخاوف غالبًا ما يتم تكرارها دون نقد من قبل وسائل الإعلام السائدة التي تغطي تونس، مثل “بي بي سي عربي”، التي تدعي الالتزام بالمعايير الصحفية المهمة المطبقة في الغرب، وصحيفة “القدس العربي” التي تتخذ من لندن مقرًا لها، التي لا تتبع معايير الصحافة الغربية ولم تفعل ذلك من قبل.

كان من الطبيعي أن تثير الجدل الأخير حول الموضوع، الذي وُصف بالتفصيل في المنشور الأول، زيارة سياح إسرائيليين من أصول تونسية هتفوا بشعارات مثل “تحيا إسرائيل وتحيا تونس!”، وهي عبارات غريبة على خطاب يفترض تلقائيًا التناقض بين اليهودية المقبولة والصهيونية العدائية. في الواقع، وعلى عكس الآلاف القليلة من اليهود الذين يعيشون في تونس، الذين لا تزال وسائل الإعلام الناطقة بالعربية تستطيع بطريقة ما تصنيفهم كعرب أوفياء، يشكل عشرات الآلاف من اليهود التونسيين الذين يعيشون حاليًا في إسرائيل تحديًا أكبر للرواية التي تروج لها هذه الوسائل منذ زمن.

لا يزال موضوع المجتمعات اليهودية التي عاشت في دول العالم العربي والإسلامي لقرون، وتاريخها الحديث ومكانها الحالي، من المواضيع الحساسة في المجتمع العربي، ولهذا، نادرًا ما تتم مناقشته بشكل علني ودون خوف في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية. لكن تعد تونس استثناءً في هذا الصدد، حيث لا تزال تحتفظ بمجتمع يهودي يعمل بشكل طبيعي، لكن ماذا عن العديد من البلدان العربية والإسلامية الأخرى التي لا يتعدى عدد اليهود المتبقين فيها أصابع اليد؟

صحيح أن اليهود الشرقيين والسفاراديم يظهرون بين الحين والآخر في الخطاب العام في دول مثل مصر والجزائر والبحرين والعراق، لكن مع ذلك، فإن معاناة هؤلاء وأجدادهم عندما أُجبروا على مغادرة البلدان التي كانوا يعدونها موطنهم، يُقابل بتعاطف حقيقي يُعبّر عنه علنًا وباللغة العربية فقط بين عدد قليل من الشخصيات العامة.

صورة المعبد من تصوير رولاند أونجار، عرضها موقع ويكيبيديا

فمثلا تعد معابد مثل معبد بن عزرا في القاهرة، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن، من الشواهد على تاريخ طويل للمجتمعات اليهودية في العالم العربي، لكن القليل من الأصوات تعبر عن تعاطف حقيقي مع معاناة اليهود الذين هاجروا من هذه البلدان دون الانجراف إلى تبرير مواقف سياسية، مثل إدانة إسرائيل في نفس السياق.

 من الأمثلة على هذا النوع من الكتابات، مقال الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت بعنوان “يهودُ مصرَ… المصريون“، الذي نُشر في رأس السنة العبرية في جريدة “المصري اليوم”، ورغم أنه يعبر عن أسف حقيقي لغياب اليهود عن مصر، فإنه يتضمن أيضًا إشارات إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطريقة تقليدية (الترجمة الكاملة والملاحظات الواردة في النص من معهد ميمري، والتأكيدات من كاميرا العربية). وتقول ناعوت:

هناك مواطنين مصريين أصلاء، يعتنقون اليهودية، وليس لهم أى علاقة بدولة إسرائيل، اللهم إلا علاقة الإنكار، كما علاقتنا جميعًا كمصريين مع الكيان الصهيونى المحتلّ… بل إن يهودَ مصر دفعوا الفاتورة الأخسر بسبب نشوء دولة إسرائيل، حيث لوحقوا وطُردوا من وطنهم، وهُجِّروا قسرًا من ديارهم، وأُحرقت مؤسساتُهم ومصانعُهم وذاقوا صنوفَ الويل، حتى أوشكوا على الفناء التام من أرض مصر… العنوان الركيك صياغيًّا موجّه للذين لا يعرفون أن العقيدة لا تتقاطع مع الهوية والجنسية، وأن عقيدة المواطن لا تنتقص من حقوق المواطَنة”.

وفي جزء آخر تقول ناعوت ما يلي:

“أمرٌ مؤسف أن نصف خريجى الجامعة المصرية يظنون أن كل يهودى هو بالضرورة صهيونى أو حتى إسرائيلى! أمرٌ مخزٍ أن كثيرًا منّا لا يميزون بين «اليهودية» كعقيدة، و«الصهيونية» كفاشية سياسية… يهودُ مصر الشرفاءُ الذين أحبوا مصر بكل جوارحهم، ثم لوحقوا بالبغضاء والعنف والأذى من بلطجية الجهل والعماء؛ حتى اضطروا للرحيل عن مصر التى ولدوا وكبروا فيها وأحبوها ونهضوا بها، لا يعرفون لهم وطنًا غيرها. فى عيدكم بالأمس أقدم لكم محبتى واعتذارى. وإن غدوتم أربعة أشخاص فقط، إلا أن مواقفكم الوطنية لا ينساها التاريخُ، ولا تنساها مصر… وفى يوم قريب، حين ينصلح حالُ التعليم فى بلادى، سوف يعرف الأطفالُ المصريون فى المدارس كيف أحبَّ يهودُ مِصْرَ وطنَهم مصرَ أكثرَ من ملايين ممن لا يعرفون قيمتها. ملعونٌ عند الرحمن من أدخل العقيدةَ فى حقوق المواطنة. ملعونٌ عند الرحمن من أدخل العقيدةَ فى حقوق المواطنة”.

في مقالها، قدمت ناعوت تحيات “للعام اليهودي الجديد” الحقيقية لليهود المسنين القلائل الذين ما زالوا يعتبرون مصر وطنهم، كما أعربت عن أسفها على غياب الآلاف الآخرين، بل إنها اعترفت بأن اليهود أجبروا على مغادرة مصر بسبب الاضطهاد العنيف والكراهية والجهل والتنمر (على الرغم من عدم تناولها لدور الدولة المصرية في هذا الفصل القبيح من تاريخ مصر).

ومع ذلك، فإن هجومها على الصهيونية وإسرائيل (التي وصفت مقالتها أراضيها بـ”فلسطين المحتلة”) جاء على حساب الاعتراف بمعلومات مهمة تتعلق بالإقامة الحالية لليهود المصريين والتركيبة السكانية والانتماءات السياسية.

 والواقع، أن “يهود مصر المصريين” الذين كتبتهم ناعوت ليسوا استثناءً خاصًا للقاعدة التي تنطبق على بقية اليهود الذين غادرت عائلاتهم العالم العربي والإسلامي في الأجيال السابقة؛ فالأغلبية الساحقة منهم إما يقيمون في إسرائيل، أو يدعمونها بقوة، أو يلعبون دورًا رئيسيًا في السياسة والثقافة والاقتصاد والحياة الاجتماعية الإسرائيلية، أو (الأكثر شيوعًا) كل ما سبق .

ولم يكن بوسع ناعوت إلا أن تتجاهل اليهود الملموسين من لحم ودم من أصل مصري، بدلًا من التركيز على اليهود الافتراضيين الغائبين الذين تستحضر صورتهم؛ فوجود اليهود المصريين الصهاينة مثل حاييم سابان أو عادا أهاروني، أو حتى اليهود من أصل مصري الذين هم أكثر انتقادًا لإسرائيل والصهيونية، لكنهم ما زالوا يعيشون ويعملون في “الكيان الصهيوني”، ويحملون جنسيته، مثل إيال ساجو يبيزاوي أو رون كاهليلي، قد يكون مزعجًا للغاية بالنسبة لها ولأولئك الذين يشتركون في نفس الرواية التي تروّج لها.

للاطلاع على أصل التقرير المنشور بالإنجليزية على موقع مؤسسة “كاميرا” بالإنجليزية انقر هنا.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *